للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يؤتى بهذا المصدر محتملاً المعنيين معاً، نحو قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (٢٤)} [الإنسان] أي اصبر لقضاء العليم، ومثله قوله: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)} [القلم] وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨)} [الطُّور] فهذا ممَّا يتَّسع فيه المعنى فيحتمل المعنيين كليهما: القضاء، والعلم.

مُرَاوَدة امْرَأَة الْعَزِيز لِيُوسُفَ

حَلَّ يُوسُفُ فِي قَلْب امْرَأَة العَزِيز محلاً كَبِيراً من حَيْث لا يَشْعُر، وَظَنَّت أنَّه حِينَ يَعْلَم بِمَيلِها يُسَرُّ السُّرُور الْعَظِيم {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} هَكَذَا عَبَّر القرآنُ الكريمُ عَن امْرَأَة العَزِيز بالاسم الموصول المفرد المؤَنَّث {الَّتِي} وهو المسند إليه، زيادة في التَّقرير، فهو مسوق لتنزيه يوُسُفَ، والسَّتر عليها.

وفي قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ} كناية عن صفة، والكناية لفظ استتر معناه، لغرض، والغرض هنا التَّعبير عن المعنى القبيح المستهجن بالكناية عنه باللَّفظ المهذَّب الَّذي لا ينبو عنه الطَّبع، فقوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا} كناية عن المخادعة، وما احتالت به.

{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وَأَحْكَمَت إغْلَاقَهَا وإطباقها، وَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِها، {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} واللَّام في {لَكَ} للتَّبيين، والمعنى: هَلُمَّ، أقبل، تَعَال أقول لك! وَهَذَا نِدَاء نَفْسها الأمارة الَّتي زَيَّنَت لها السُّوءَ، وكلمة {هَيْتَ} وحيدة في القرآن مادَّة وصيغة.

فَلمَّا سَمِع ـ - عليه السلام - ـ نِدَاءَهَا، وَعَلم مُرَادَها؛ خَيَّبَ فَأْلَها، وَرَدَّ كَيْدَهَا إِلى نَحْرها، وَتَعَفَّف، وَامْتَنَع، وأَبَى إبَاءً شَدِيداً، وَدُون أدْنى تَفْكِيرٍ وَبِلِسَان التَّقْوَى {قَالَ مَعَاذَ

<<  <   >  >>