{يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ... (٤١)}، وقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢)}، وقوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ... (١٠٠)}. فما سرُّ قراءة لفظ {السِّجْنُ} بفتح السِّين وكسرها في قوله تعالى: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... (٣٣)} والاتِّفاق على كسرها في بقيَّة المواضع؟!
والأمر جليٌّ، فمن قرأ (السَّجن) بالفتح أراد (المصدر) سَجَنَهُ يَسْجُنُه سَجْناً، ومن قرأ (السِّجن) بالكسر أراد (المحْبِس) أي المكان الَّذي يُسْجَنُ فيه، ويلاحظ أنَّ الآيات الَّتي اتَّفق القُرَّاء على كسر السِّين من {السِّجْنُ} فيها يراد بها (المحْبِس) أي المكان ولا يصحُّ إرادة المصدر، بخلاف الموضع الأوَّل، فإرادة المصدر بيِّنة، فمن فتح السِّين فهو مصدر سَجَنَهُ سَجْناً، ومن كَسَرَ السِّين فهو المَحْبِس وهو اسم، وهذا يكشف عن دقَّة القراءات المتواترة وأحكامها وإحكامها، ويكشف عن أسرار اللّغة العربيَّة في اتِّفاق المباني وافتراق المعاني، فهناك فرق بين استخدام الاسم واستخدام المصدر.