للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صَادِقِينَ (١١١)} [البقرة] فالمسمَّيات لا تتغيَّرُ بتغيُّر الأسماء، فالحجارة مثلاً لا تصيرُ آلهةً بتغيير اسمها، لذلك لا تستحقُّ الألوهيَّة ولا العبادة؛ لأنّ الدِّينَ مبنيٌّ على الحجَّة والبرهان، لا على التَّقليد، فهذا ما نطق به القرآن، وهذا ما تدين به العقول، وهذا ما تُسَلِّم له الأفئدة، فأيُّ باطلٍ أخذتم؟! وأيُّ حقٍّ رفضتم؟!

ثمَ نصَّ على ما هو الدِّينُ القويم والحقُ المبين، فقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} ولا نحسبهما إلَّا قد ألجما الحجَّة؛ فسكوتهما عن الجواب حُكْمٌ صَامِتٌ بصحَّةِ كلام يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ.

ومن اللَّافت أنّ يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ في شرح التَّوحيد والدَّعوة إلى ترك التَّقليد يكاد لا يسكت ولا يكفُّ، بخلاف موقفه أمام عزيز مصر وتقرير سجنه، فلم يُسْهِب في الكلام فهو {يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)} [العلق] وأنَّه {إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)} [الشُّورى] وأنَّ الله يحكم ما يشاء وليس حكمه بالمردود، ولذلك سَلَّمَ الأمْرَ لصاحِب الأمر.

أدبُ الأنبياءِ في الخِطَاب

مما يدلِّل على عِلْمِ يُوسُفَ وحكمته، ويشيرُ إلى إحسانه وأدبه، تحسينُه للجواب وتلطُّفه في الخطاب معهما حيث يلاحظ أنَّه، قال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)} ولم يقل: ولكنَّ أكثركم لا تشكرون، وقال: {يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ} ولم يقل: أيُّها المسجونان، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠)} ولم يقل: ولكنَّ أكثركم لا تعلمون؛ مصداقاً لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... (١٢٥)} [النَّحل]، وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ

<<  <   >  >>