التَّوحيد بصورة الاستفهام؛ حتَّى لا تأخذهما المفاجأةُ بإبطال ما وجدا عليه آباءَهما من قبل فينفرا منه، فقال لهما متلطِّفاً مترفِّقاً متحبِّباً:
{يَاصَاحِبَيِ} في {السِّجْنِ} أجيباني على سؤالي بفطرتكما وعقلكما {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} أي أآلهةٌ متعدِّدة متكثِّرة مقهورةٌ لا إرادة لها {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ} الَّذي لا ثاني له {الْقَهَّارُ (٣٩)} الغالب على أمره.
فتعدُّد الآلهة يوجب فساد السَّموات والأرض، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)} [الأنبياء] ويوجب الاختلاف والتَّنازع والتّشاحن، كما قال تعالى: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ... (٢٩)} [الزّمر].
ونراه أورد الدَّليل على عدم صحَّة عبادتهما بصورة الاستفهام {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ}؛ لأنَّ ذلك أدعى للقبول، وهو استفهام إنكاري يراد به التَّقريع والتَّوبيخ.
{مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} تبارك وتعالى أنتما ومَنْ على دينكما من أهل مِصْر القُدماء {إِلَّا أَسْمَاءً} فارغة ليست تحتها مسمَّيات تستحقُّ إطلاق هذه الأسماء عليها، وما ليس فيه حقيقةُ إطلاق الاسم عليه لا وجود له أصلاً. ويلاحظ أنَّه جاء بخطاب الجمع {مَا تَعْبُدُونَ} وكذلك ما بعده من الضَّمائر لأنَّ الخطاب لصاحبي السِّجن ومن على دينهما.
{سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} آلهةً من عند أنفسكم، وليس في المسمَّى من الألوهيَّة شيء، وهي في الحقيقة مألوهة مؤلَّهة لا آلهة {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} من بُرهان يدلُّ على صحَّة عبادتها، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ