الخروج، فقال في حديثه الشَّريف:"لو لبِثْتُ في السِّجن ما لَبِثَ يُوسُفُ، ثمَّ أتاني الدَّاعي لأجَبْتُهُ"(١) أي لأسرعتُ الإجابة في الخروج، وما قدَّمتُ طلب البرءاة، فشهد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ ليُوسُفَ بكمال فضيلة الصَّبر والأناة عنده، وحسن نظره.
وقيل: المعنى إشارة إلى ترك العزيمة بالرُّخصة، وتقديم حق الله تعالى بتبليغ التَّوحيد والرِّسالة على براءة نفسه، وقيل: إنَّما قاله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ قبل أن يعلم أنَّه أفضل الأنبياء والمرسلين، وقيل: هو من باب التَّواضع منه ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ والثَّناء على صبر يُوسُفَ وحلمه، لا أنَّه لو كان مكانه عجَّلَ بالخروج، فحلم النَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ معلوم لدى الخواصِّ والعوامِّ، ولكن هذا من حسْن تواضعه، وقيل: أراد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أن يُنبِّه على أنَّ الأنبياء وإنْ كانوا من الله بمكان لا يُرامُ، فهم بَشَرٌ يَطْرأ عليهم ما يطرأ على غيرهم، وأنَّ ذلك لا يُعَدُّ نقصاً، وقيل غير ذلك.
اعترافُ امرأة العزيز ببراءَةِ يُوسُفَ
عادَ الرَّسولُ أدراجه إلى الملك، وأخبره بما حدث، فلم يغضب لنفسه لأنَّ يُوسُفَ لم يجب إرادته إلَّا بعد التَّحقيق عن سبب اعتقاله، سِعَة صدر منه، بل نزل عند رغبته، فلا بدَّ أنَّ ثقته بيُوسُفَ زادت وحسن اعتقادُه فيه، فاستقصى الأمور، وأعاد التَّحقيق، وجمع النِّسوة، ودعا معهنَّ امرأة العزيز، وواجههنَّ بإصبع الاتِّهام، وأجلسهنَّ مجلس الاستنطاق:
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} مشيراً إلى أمرٍ لهنَّ جَلَل. ويلاحظ من كلامه أنَّه تأكَّد من براءة يُوسُفَ؛ فقد أسند للنّسوة تهمة المراودة.
ويظهرُ أنَّه لم يكن هنالكَ مجالٌ للإنكار:{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} تعجُّباً من عفَّته
(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ ج ٨/ ص ٧١) كتاب التَّعبير. ومسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٨/ج ١٥/ص ١٢٣) كتاب الفضائل، وأخرجه في كتاب الإيمان (م ١/ج ٢/ص ١٨٣).