وبهذا يكون اللهُ ـ جلَّ ثناؤه ـ قد صَدَّقَ قَوْلَ يعقوب:{إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} بالفعل والحقيقة، فيعقوب نبيٌّ، وللأنبياء معجزات، وصدَّق قَوْلَ يُوسُفَ:{فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا} بالفعل والواقع.
التَّورية في لفظ {ضَلَالِكَ}
من أدقِّ أبواب البيان، وألطف فنون البديع المعنوي، التّورية: وهي لفظ يحتمل معنيين، فيستعمل المتكلِّم أحد احتماليها ويهمل الآخر، ومراده ما أهمله لا ما استعمله، ومنها قوله تعالى حكاية عمَّن كان في مجلس يعقوب - عليه السلام -: {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)} فالضَّلال يحتمل معنيين: ضدّ المعرفة، والحبّ، فاستعملوا ضدَّ المعرفة توريةً عن الحبِّ، أي أنَّهم أرادوا بكلامهم خلاف ظاهره، فورُّوا بلفظ {ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} عن حبِّه ليُوسُفَ، ليعلم أنَّ المراد ما أهملوا لا ما استعملوا، فهم لا يريدون المعنى الظَّاهرَ القريب، وإنَّما يريدون المعنى الخفيَّ البعيد.