للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمَّا سمعَ يعقوبُ ـ - عليه السلام - ـ توبتهم وسؤالهم الاستغفار، وَعَدَهُم بذلك: {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)} فالاعتراف بالخطأ والرُّجوع إلى الحقِّ والصَّواب سبيل الحَظْوَة بالعفو والغفران.

تخفيف التَّوكيد لأخيهم وتشديده لأبيهم

اعْتَرَفَ إخوةُ يُوسُفَ بخطئهم في حقِّ يُوسُفَ مرَّتين: الأولى أمام أخيهم يُوسُفَ، والثَّانية أمام أبيهم يعقوب، فأمام يُوسُفَ، {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)} وقد جاء اعترافهم مؤكَّداً بحرف (إنْ) المخفَّفة، وأمام أبيهم يعقوب، {قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧)} وجاء اعترافهم له مؤكَّداً بحرف (إنَّ) المشدَّدة.

ولسائل أن يقول: لماذا خفَّفوا التَّوكيد لأخيهم، بينما شدَّدوه لأبيهم؟! والجواب، يظهر أنّهم اختاروا {وَإِنْ} المخفَّفة من الثَّقيلة وأكَّدوا كلامهم بالإيجاز؛ اهتماماً بالإسراع في الاعتذار، أو أنَّهم خفَّفوا التَّوكيد لأخيهم لأنَّ خطأهم في حقِّ يُوسُفَ تقادم عهده، وعاد على يُوسُفَ بالخير، فقد أصبح على خزائن أرض مصر، وآنسوا منه سهولة الظَّفر بالعفو؛ ولذلك لمَّا اعترفوا بخطئهم أمامَه سَارَعَ بالعفو عنهم، {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)}.

ولعلَّهم شدَّدوا التَّوكيد لأبيهم لأنَّ أَثَرَ خطئهم في حقِّه ما زال ظاهراً ماثلاً أمام أعينهم، فهم يلاحظون الحزن العميق على أبيهم وذهابَ بصره وعدم رضاه عنهم، فشدَّدوا التَّوكيد له حرصاً على إظهار توبتهم، ومع هذا لم يسارعْ في الاستغفار لهم، {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨)} وقوله {سَوْفَ} أبعد في الوعد لهم، وفيه دلالةٌ على عُمْقِ الحزن والأسَف، ذلك العمق الَّذي دعاهم

<<  <   >  >>