{بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}، ونَسَبَ ما وقع من إخوته إلى الشَّيطان، تأدُّباً معهم، ولم يكتف، بل قَسَمَ النَّزغ بينه وبينهم، مع أنَّه لم يشاركهم في شيء إظهاراً لعذرهم، وهذا فيه إشارة إلى تحقُّق تأويل يعقوب - عليه السلام - من إتمام النِّعمة والعلم على يُوسُفَ - عليه السلام - {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بخَلْقِهِ {الْحَكِيمُ (١٠٠)} في تدبيره وصنعه.
سَبْقُ ما يقتضي التَّقديم
ورد قول الله تعالى:{حَكِيمٌ عَلِيمٌ} في سور ة الأنعام ثلاث مرّات في ختام ثلاث آيات، وورد قوله تعالى:{عَلِيمٌ حَكِيمٌ} في سورة يُوسُفَ ثلاث مرّات في ختام ثلاث آيات أيضاً، ويلاحظ تقدُّم لفظ حكيم على عليم في سورة الأنعام، وتأخُّره في سورة يُوسُفَ، فما الحكمة؟
التَّقديم والتَّأخير يكونان بحسب الأهميَّة، والأهميَّة لا يراد بها الأفضليَّة، فقد يتأخَّر الفاضل ويتقدَّم المفضول، كما في قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)} [التّين] فقد تأخَّر القَسَمُ بالبلد الأمين (مكّة) وهو الأفضل، وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ ... (٤٠)} [الحجّ] ويلاحظ تأخُّر المساجد، وهي الأفضل.
وإنَّما المراد بالأهميَّة مراعاة الوجوه البلاغيَّة والمقاصد البيانيَّة، فلا يتقدَّم لفظٌ على لفظٍ في آية ولا يتأخّر في آية أخرى عبثاً، وإنَّما يكون مقصوداً ومراداً، فالمعاني القرآنية مؤاخية للألفاظ بحيث لا يمكن أن يتقدَّم لفظٌ على لفظ ويؤدي معناه.
ففي سور ة الأنعام، قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)} [الأنعام] ومن نَظَرَ نَظَرَ اللَّبيب