الحَصِيف اتَّضح له أنَّ الآية تتحدَّث أوَّلاً عن حكمة الله تعالى في إيتاء إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ حجَّته على قومه ورفعه درجات، وتتحدَّث ثانياً عن علم الله تعالى أنَّ إبراهيم أهل لذلك.
وقال في سورة الأنعام: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨)} [الأنعام] والمتأمّل في الآية يعلم أنَّها تتحدَّث أوّلاً عن حكمة الله تعالى في خلق الإنس والجنّ، وسنَّته في الهداية والإضلال، وعلمه ثانياً بمن يستحقُّ الخلود في النَّار.
وقال في سورة الأنعام: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩)} [الأنعام] والمتدبّر في الآية يعلم أنَّها تتحدَّث أوّلاً عن حكمته سبحانه في إلغاء أحكام ابتدعها أهل الجاهليَّة على ما أرادوا، وإبطال ما شرعوه من حلال وحرام على ما اعتادوا، وعلمه ثانياً بكذبهم وما يستحقّونه من جزاء.
أمّا في سورة يُوسُفَ، فقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ... إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)} والنّاظر في الآية يعلم أنَّها تتحدَّث أوّلاً عن عِلْم الله بأنَّ يُوسُفَ يستحقّ الاجتباء، كما قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ... (١٢٤)} [الأنعام]، وأنَّ الله تعالى يعلّمه بعلمه من تأويل الأحاديث، وتتحدَّث ثانياً عن حكمته سبحانه حيث يضع الأمور في مواضعها.