{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} أُدْخِلَ يُوسُفُ السِّجْن، واتَّفق أنْ دَخَلَ معه عبدان من خَدِم المَلِك الخواصِّ هما: ساقيه، وخبَّازه.
ويختصرُ السِّياقُ على ما كان من أمر الفتيين مع يُوسُفَ اللَّذين أَنِسَا إليه لما ظَهَرَ من علمه وإحسانه، فذات ليلة اتَّفق أن رأى فيها كلٌّ منهما رؤيا، فقصَّ كلٌّ منهما رُؤياه على يُوسُفَ، لما علما عنه من عِلمٍ وحكمة، ولما يتوسمانه فيه من خير، ولما قرأا في صَفَحَاتِ وجهه من إِحسان.
{قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} وعبَّر بالمضارع لاستحضار الصُّور الماضية، أي إنِّي رأيتُ نفسي أعصر عنباً يَؤُول إلى خمر، وهو مجاز مرسل باعتبار ما يكون.
{وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ} أي رأيت أنَّي أحملُ على رأسي طبقاً فيه خبز، والطَّير تأكلُ منه {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)}.
واغتنم يُوسُفُ هذه الفرصة، فوعظ الفتيين؛ ليُصَحِّحَ العقائِدَ الفاسِدةَ، ويبثَّ عقيدةَ التَّوحيدِ، وكان من الممكن بعد أن مدحاه بقولهما: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)} أن يأخُذَه الزَّهو بتلك الشَّهادة منهما كما يأخذ الزَّهو البعض، وأنْ يقولَ لهما ما يريدان، لكنَّه لم يسمح للغرور أن يتسلَّل إليه، فانتهز حاجتهما إليه، ودعاهما إلى ما هو أولى ممَّا استفتياه فيه، وهو التَّوحيد.
وشرع - عليه السلام - معهما في الموضوع الَّذي يشْغَلُهما، فطمأنهما ابتداءً إلى أنَّه سيعبِّر لهما الرُّؤى لأنَّه على علمٍ من ربِّه لا من علوم الكهانة والتَّنجيم، بل هو فضلٌ إلهيٌّ آتاه الله تعالى إيَّاه جزاءَ تجرُّدِه وآبائه من قبله لعبادة الله تعالى وحده لا شريك له.