من أساليب القرآن الرَّفيعة وفنونه البديعة براعة التَّخلُّص وحسن الاستطراد، وهو أن يكون في ابتداء الكلام إشارة إلى ما سيق الكلام لأجله، وأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود.
ومن شرطه أن يكون الانتقال من معنى إلى معنى ببديع حسن، وعذوبة سبك، وحسن رصف، وبيان يزيد المعنى فصاحة وحسناً، بحيث يكون المعنى الَّذي انتقل إليه أقرب إلى النَّفس من المعنى الَّذي انتقل عنه، وبحيث لا يشعر السَّامع بالانتقال من المعنى الأوَّل إلَّا وقد تعلَّق به المعنى الثَّاني المقصود؛ لشدَّة الالتئام بين المعنيين، وفائدته الانتقال من فنٍّ إلى فنٍّ، وجعل أجزاء الكلام يأخذ بعضه برقاب بعض.
وحيث قصد التَّخلُّص فلا بدَّ له من توطئة وتمهيد، ومن بديعه قوله تعالى موطِّئاً للتَّخلُّص:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فوطَّأ بهذه الآية إلى قصَّة يُوسُفَ - عليه السلام -، والمخاطب إذا سَمِعَ هذا الوصف لهذه القصَّة تطلَّعت نفسه إلى معرفتها، وتشوَّفت إلى تأمُّلها.