للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القِسْمُ الثَّالِث

قِصَّته فِي بَيْتِ العَزِيز

يُوسُفُ فِي بَيْتِ العَزِيز

عَادَ عَزِيزُ مِصْرَ بِيُوسُفَ بَعْدَمَا اشْتَرَاه، وَأَوْصَى زَوْجَته أَن تُكرِمَ إقَامَته وَمَثْوَاه: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ} وهو عزيز مصر {لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} مقامه عندنا، وَبَيَّنَ العِلَّة، فقَال {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} لَعلَّه يَنْفَعنَا أَو نَتَبَنَّاه وَنَتَّخذه وَلَداً لَنَا، وهذا يدلُّك على أنَّ التَّبنِّي كان معروفاً ومعتاداً عند الأمم.

{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} أَي وَكَما نَجَّينَا يُوسُفَ من الجبِّ جَعَلْنَاه مُتَمَكِّناً فِي أَرْض مِصْر يَعيشُ فِيها بِعزٍّ وَأَمَان {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أَي نُوفِّقه لِتَعْبيرِ وَكَشْفِ بَعْض المنَامَات {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} لَا يُعجِزُه شَيْءٌ {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٢١)} خَفَايا حِكْمَته وَلُطْف تَدْبيره.

وعندما نقرأ هذه الجملة التَّعليليَّة: {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ... (٢١)} نتذكَّر صدق تأويل يعقوب لرؤيا ابنه يُوسُفَ، فقد قال له: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ... (٦)}.

وَقَد تَحَقَّق مَا رَجَاهُ العزيز فِي يُوسُفَ مَن خَيْر؛ سَوَاء بِسُلُوكه ـ - عليه السلام - ـ الأَمِين الشَّرِيف، أَو حِينَ صَار عَزِيزاً عَلَى مِصر فَخَدَم البلادَ وَالعِبَاد، وَأَخِيراً نَفَعَ الله تَعَالى بِه المصريين حِين بَعَثه الله تَعَالى إِلَيْهِم نَبِيّاً وَهَادِياً وَرَسُولاً، كَمَا قَالَ مُؤْمِن آل فِرْعَون خِطَاباً للمصريين: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا

<<  <   >  >>