للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإخوةُ يَطْعَنُونَ بيُوسُفَ

فلمَّا رأى الإخوة الصِّواع قد أُخْرِج من متاع أخيهم؛ تنصَّلوا من التُّهمة، وقذفوا بها يُوسُفَ وأخاه، {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ} فلا عجب {فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون به يُوسُفَ، ولم يقولوا: (أخٌ لنا) إنَّما قالوا: {أَخٌ لَهُ}؛ نفياً لمعرَّة السَّرقة عن أنفسهم، ولأنَّهما من أمٍّ واحدة غير أمِّهم، وهذه الكلمة تشفُّ عن تجدُّد حسدهم ليُوسُفَ، وبذلك أساؤوا له بالفِعَال والأقوال.

{فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} أي أضمر يُوسُفُ وأخفى هذه التُّهمة في نَفْسِهِ، {وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} ولم يُبْدِ تأثُّرَه منها، ولكن كأنِّي به وقد اعتصره الألم؛ فطعن اللِّسان كَوَخْزِ السِّنان!

ويجوز أن يكون المعنى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا} يعني: الكلمة التي بعدها، وهي قوله {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)} والمعنى، قال في نفسه بل {أَنْتُمْ} بهذا القذف {شَرٌّ مَكَانًا} ومنزلةً عند الله تعالى من المقذوف، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧)} وتتقوَّلون وتفترون، ولم يصارحهم بهذا الكلام، إنَّما طواه في نفسه وكتمه.

ويلاحظ في قوله: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا} طباق إيجاب بديع، وأمَّا ما أضافوا له من السَّرقة، فقد اختلفت الرِّواياتُ وكَثُرت القصصُ والحكاياتُ الباحثة عن مصداق قولهم، ولعلَّ أصحَّ ما قيل: "إنَّهم كذبوا عليه فيما نسبوه إليه؛ قاله الحسن" (١) قلتُ: ولعلَّ ما يؤيّد ذلك أنَّهم كذبوا من قبل على أبيهم.


(١) القرطبي " الجامع لأحكام القرآن " (ج ٩ /ص ٢٣٩).

<<  <   >  >>