للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ (١) سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥)} وكأنِّي بها قالت هذا الكلام اللَّيِّن والظُّلم البيِّن، وهي تَبْكِي، كما قِيل: "وَسِيلةُ المرأة في هُجُومِهَا صُرَاخُها، وَوَسِيلتها فِي دِفَاعِهَا دمُوعُهَا ".

وَتَوجَّهَت الْأنْظَارُ نَحو يُوسُفَ؛ لِيَسْمَعوا مَاذَا يَقُول، وَبِخلاف امْرَأَة الْعَزِيز الَّتي أَطَالت الْكَلَام اقْتَصر ـ - عليه السلام - ـ على أَقَلِّ عِبَارَة يُدَافِع بِهَا عَن نَفْسِه وَتُؤَدِّي غَرَضه، فَقَال ـ وَعَلَامَاتُ الطُّهْرِ بَادِيَة عَلَى مُحيَّاه ـ: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ... (٢٦)} هِيَ الَّتِي طَلَبَت، وَلَكِنِّي لَم أَسْتَجِب، مُحْتَسِباً أَمْرَه عند الله تعالى، مُؤمِّلاً أَخْذَ الْعَدَالَة مَجْرَاهَا.

ليس البَيانُ بِكَثْرةِ الكَلام

ذهب بعض المفسِّرين إلى أنَّ المرأةَ تتكلم أكثر من الرَّجُل، واستدلُّوا على ذلك بأنَّ امرأةَ العزيز أطالت وأكثرت الكلام في دفاعِها عن نفسِها: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥)} بخلاف يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ الَّذي اقتصر على أوجز لفظ، وقال من غير إسهاب ولا إطناب: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ... (٢٦)} وهذا الاستدلال فيه نظر؛ فقد تكلَّم الشَّاهد الَّذي هو من أهلها ـ كما سيأتي ـ بأكثر منها!

ثمَّ خطر لي أنَّ الإسهاب والإطناب، والإيجاز والقصر الوارد في الآيتين يؤخذ منه ما هو أجود من ذلك، يؤخذ منه أنَّ البيان ليس بكثرة الكلام، وإنَّما بإصابة المعنى كما هو معروف في البلاغة.


(١) {بِأَهْلِكَ}: بزَوجتك، قَالَ تَعالَى عن إِبراهيم ـ - عليه السلام - ـ: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ ... (٢٦)} [الذَّاريات] وَفي شَأن مُوسَى ـ - عليه السلام - ـ: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ... (٢٩)} [القصص].

<<  <   >  >>