للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّاسِ عليك في رعايته وعنايته الجزاءَ الأجمل والأوفى؟!

نَشِيجُ عمر ـ - رضي الله عنه - ـ وهو يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} كان عُمَرُ بن الخطَّاب ـ - رضي الله عنه - ـ جهير القراءة، وكان في صلاة الفجر، إذا قرأ سورة يُوسُفَ، ومرَّ بقوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}، غُصَّ بالبُكاءِ في حَلقِه من غير انْتِحابٍ، ففي الأثر عن عبد الله بن شدَّاد (ابن الهاد) وهو تابعيّ كبير له رؤية ولأبيه صحبة، قال: "سَمِعْتُ نَشيجَ عُمَرَ، وأنا في آخر الصُّفُوفِ يقرأ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} " (١)

الحُزْنُ لا يتنافى مع الصَّبر الجميل

وابيضاض عيني يعقوب ـ - عليه السلام - ـ من شدَّة الحزن والأسف لا يتعارض مع صبره الجميل، ولذلك حُمِدَ صَبْرُهُ، {فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤)} أي مملوء من الأسَف والحزن الذي يكتمه في نفسه، ولا يبثُّه ولا يشكوه إلَّا إلى الله تعالى.

وقد عَلِمْنا أنَّ الصَّبر الجميل هو الَّذي ليس فيه جَزَعٌ ولا شكوى إلى الخَلْق، وقد أكَّد يعقوب ـ - عليه السلام - ـ صَبْرَه الجميل بقوله لأولاده: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} تعالى وحده.

وإظهارُ الأسَف والحُزن والشِّكاية لله تعالى ليس بمحظور إذا اقْتَرَنَ بالصَّبر الجميل والرِّضا والتَّسليم لقضاء الله تعالى وقدره، وإنَّما المحظور السُّخْط على القضاء والقدر.


(١) البخاري: " صحيح البخاري" (م ١/ج ١/ص ١٧٥) كتاب الأذان. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَة عَنْ إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سَعْد سَمِعَ عَبْد الله بن شَدَّاد بِهَذَا وَزَادَ: " فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ " ذكر ذلك الحافظ في "فتح الباري" (ج ٢/ص ١٦٤).

<<  <   >  >>