ونعلم أنَّ الله تعالى نهى الولد عن أمرين، وأمره بثلاثة: نهاه عن إظهار أدنى شواهد التَّضجُّر والتَّبرُّم أمام الوالدين أو في غيبتهما، فقال:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ونهاه عن زجرهما، فقال:{وَلَا تَنْهَرْهُمَا} وهذه الآية إنَّما سيقت لاحترام الوالدين وتوقيرهما ومعرفة قدرهما، والتَّحذير من عقوقهما.
واعلم أنَّ الله تعالى أخبرنا عن سيِّدنا يحيى - عليه السلام -، فقال: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (١٤)} [مريم] وعن سيِّدنا عيسى - عليه السلام -، فقال حكاية عنه: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢)} [مريم].
وقد رأينا فِتْيَةً من أهل زماننا جبَّارين يرفعون أصواتهم لا أقول عند وإنَّما على آبائهم وأمَّهاتهم، وكأنَّهم يجهلون أنَّ الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى مَنْ كان مِنْ أهلِ وِدِّهما، فكيف بالإحسان لهما! ألم يجعل الله تعالى حقَّ الوالدين في مرتبة تالية لحقِّه سبحانه، فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... (٢٣)} [الإسراء] وقرن شكره بشكرهما، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)} [لقمان]
واعلم أنَّ والديك مهما بالَغْتَ في برِّهما فلن تَفِيَ بشكرهما؛ فلو أنَّ إنساناً أحسن إليك مرَّة، فهل كنت تنسى أنَّ له يداً عليك لا توفَّى؟ فكيف بمن أحسن إليك الحياة مرَّة بعد مرَّة، وله عليك أيادٍ بيضاء لا تُدْرَك ولا تُدَانَى، فكيف لك أنْ تجزي أَمَنَّ