للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ... (١٧٧)} [البقرة] وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩)} [القمر]

وذِكْرُ الآخرة على لِسَان يُوسُفَ فيه إشارة إلى أنَّ الإيمان بالآخرة كان أصلاً من أصول العقيدة على لِسَانِ الرُّسلِ جميعاً منذ آدم أبي البشر ـ - عليه السلام - ـ، ولم يكن الأمر كما يدَّعي بعضُ الملاحدة أنَّ تصوُّر الآخرة جاء إلى العقيدة متأخِّراً.

ثمَّ مضى ـ - عليه السلام - ـ يؤكِّدُ لهما أنَّه ما فاز بما فاز إلَّا لأنَّه ترك ملَّة أولئك الجاحدين واتَّبع ملَّة آبائه الموحِّدين: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}.

وغنيٌ عن البيان أنَّه ما قَصَدَ بذكر سلسلة نَسَبِهِ الفَخَارَ والتَّرفُّعَ والمفاخرة، ففضل الإنسان بعلمه وعمله لا بنسبه وحسبه، لذلك يقول عليٌ ـ - رضي الله عنه - ـ:

النَّاسُ مِنْ جِهَةِ الآباءِ أَكْفاءُ ... أَبوهُمُ آدَمُ والأمُّ حَوَّاءُ

فإنْ يَكُنْ لهم مِنْ أصْلِهِم شَرَفٌ ... يُفاخِرونَ بِهِ فالطِّينُ والمَاءُ

مَا الفَضْلُ إلَّا لأهل العِلْم إنَّهُمُ ... عَلى الهُدى لِمَن استهدى أدلَّاءُ

وقَدْرُ كُلِّ امرئ مَا كان يُحْسِنُهُ ... وللرِّجَال عَلى الأفعال أسماءُ

فَفُزْ بِعِلْمٍ ولا تطْلُبْ به بدلاً ... فالنَّاسُ مَوتَى وأهلُ العِلْمِ أحْيَاءُ

فليحذر العاقل خصلة استهان النَّاس بها، مع أنَّها تزرع في النُّفوس كرهاً، وتقدح في الصُّدور بغضاً، وتعقب في القلوب غلَّاً، والشَّرائع السماويَّة كلُّها تدعو لِطَمْسِها، وهي التَّعاظم بالآباء والتَّفاخر بالأنساب، وإنَّما ذكر لهم أنَّه من بيت النُّبوَّة لتزداد ثقتهُما بكلامه، وعلى سبيل إظهار النِّعمة، ثم أنَّه لم يخصَّ نفسَه ولا بيتَه بفضل كما يفصح عنه قوله الآتي: {مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)}.

<<  <   >  >>