للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على يُوسُفَ؟! وماذا بَدَرَ مِنَّا حتَّى تَحْفَظَه مِنَّا؟! {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)} مُخْلِصُونَ أُمَنَاء أوفِياء دائماً.

ثمَّ رغَّبُوهُ بِمَا فَصَّلُوهُ بِقَوْلِهِم: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} نَصْب على الظَّرفِيَّة الزَّمانيَّة {غَدًا} يُرِيدونَ أنْ يُعَجِّلُوا فِي تَنْفِيذِ مُؤَامَرتِهم خَشْيَةَ أنْ تَتَبَدَّلَ الأمُورُ، أو يَحْدُثَ فِي مُلْكِ الله تعالى ما لا يُرِيدُونَ {يَرْتَعْ} يَأْكُلُ ويَشْرَبُ في خِصْبٍ وسَعَة {وَيَلْعَبْ} مَعَنا في الصَّحراء، ثُمَّ أَكَّدوا الأمْرَ {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)}.

{وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١)}، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)} إنَّ واللَّام تُفيدان تأكِيدَ الأمْرِ تأكِيداً جَازِمَاً، تأكِيَدَات خارِجَة من اللِّسان، وما خَرَجَ من اللِّسان لا يَتَعَدَّى الآذانَ، لِذَلِكَ لمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ ـ - عليه السلام - ـ كَلامَهُم الَّذي أظْهَرُوا فِيهِ غَايَةَ المَحَبَّةِ والإخْلاصِ لِيُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ رَابَهُ أمْرُهُم، فَدَلِيلُ المُؤمِنِ قَلْبُهُ، فَما بالكَ إذا كانَ هَذا القَلْب قلب نَبيِّ الله تعالى يَعقُوب ـ - عليه السلام - ـ، فاعْتَذَرَ لَهُم بِعُذْرَينِ: حزنِه على فِراقِه، وخوفِه أنْ يأكُلَه الذِّئبُ وهم غافِلُون عنه.

{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} المانع نَفْسِي الَّتي يَحْزُنُهَا ذَهَابُكُم بِهِ لأنَّني لا أقوى على فِراقِه، وليس ذهابكم بِه الموجِب لِحُزْني، أو بِعبارةٍ أخْرى الذَّهَاب بِيُوسُفَ يَحْزُنُني لأنني لا أطيق له فِرَاقاً، وليس الذَّاهِبُونَ بِهِ المُوجِب لِحُزْنِي، تَلَطُّفاً في الجَوابِ مَعَهُم؛ إذ ليس من الحِكْمَةِ أنْ يُصَرِّحَ بما هُم عَلَيْهِ من سُوءِ طويَّةٍ، فيُهَيِّج ذلك حِقْدَهُم وعِنَادَهُم، إنَّما أبَانَ لَهُم أنَّ ذهابَهم به يَحْزُنه؛ لأنَّ الولدَ العاقِلَ البارَّ يَتَجَنَّبُ ما يَحْزُنُ أبَاهُ. ثمَّ كَشَفَ عن عذرِهِ الآخر {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣)} فالأمَرُّ مِن فِراقِهِ خَوفِي أنْ يَأكُلَهُ الذِّئبُ على حينِ غَفَلةٍ مِنْكُم. وقَد ألقى ـ - عليه السلام - ـ على ألْسِنَتِهِم حُجَّةً يَحْتَجُّونَ بِهَا وعُذْراً يَعْتَذِرونَ بِهِ.

<<  <   >  >>