{لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} نفهم أنَّ الاعترافَ بالخطأ سبيلُ الظَّفر بالعفو، وأنَّ الإِقرار بالخطأ والرُّجوع إلى الصَّواب فضيلةٌ، وأنَّ الصَّفْح والإِغْماض عن عِتَاب القريب إذا أسَاءَ خُلقٌ كريمٌ، وأنَّ طلب الزَّلَّات واقتفاء العثرات يُذْهِبُ المودَّات، وأنَّ على المسيء أن يعترف بإساءَته، ويطلب الصَّفْحَ ممَّن أَسَاءَ له، وحينها يُسْتَحبُّ للمُسَاء إليه أن يصفح عن المسيء وَيُصْفِي الودَّ له، فإنَّ المقدرة تُذْهِبُ الحفيظة.
وأنَّه ينبغي أن نكون أصحابَ عفوٍ وغفران، فنعفو عن إخواننا ونغفر زلَّاتهم؛ لِنَنَالَ مغفرة الله تعالى القائل في محكم تنزيله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢)} [النَّور].
وعلينا الدُّعاء بالمغفرة لمن أخطأ علينا، وهذا نفهمه من دُعَاء يُوسُفَ لإخوته:{قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}.
وهذا النَّبِيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الّذي كان خلقه القرآن الكريم، يعفو يوم الفتح عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ابن عمّه وأخيه من الرّضاعة، وكان من أشدِّ النَّاس إيذاء له في مكَّة، فقد أشَارَ عليّ بن أبي طالب ـ - رضي الله عنه - ـ على ابن عمِّه أبي سفيان بوسيلة يترضَّى بها رسُولَ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ وقال له: ائْتِهِ من قِبَلِ وجْهِهِ، فَقُل له ما قال إِخوةُ يُوسُفَ ليُوسُفَ: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١)} فإنه لا يَرْضَى أنْ يكونَ أحدٌ أحْسَنَ منه جَواباً، فَفَعَلَ ذلك أبو سُفيان، فقال له رسُولُ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)}، فأنشَده أبو سُفيان معتذراً: