للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَمَا حَصَدْتُمْ} من الزَّرع {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} لئلَّا يُسَوِّسَ، واحتفظوا به في سنابله لتأكلوه في تلك السّنين {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧)} إلَّا ما أردتم أكله، فادرُسُوهُ واتركوا الباقي في سُنْبله، {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} وهي السُّنون السَّبع المُجْدِبة المرموز لها بالبقرات العِجَاف والسُّنبلات اليابسات.

{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ}: مجاز عقلي؛ لأنَّ السّنين لا تَأْكُلُ، وإنَّما يأكل النَّاس ما ادَّخروه فيها، أي تأكلون فيها ممَّا ادَّخرتُم من الحبوب المتروكة في سنابلها أيام الرَّخاء {إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨)} أي إلَّا القليل الَّذي تدَّخرونه وتخبِّئونه للزِّراعة والاقتصاد.

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ} خصيبٌ {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} بالمَطَرِ {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)} ما يُعْصَرُ، مثل: الزَّيتون، والسِّمْسِم، ونحو ذلك. وهذا العام لم تتضمَّنه الرُّؤيا!

وبهذا يكون يُوسُفُ ـ - عليه السلام - ـ قد دبَّر شؤون أهل مصر الاقتصاديَّة، فهو لم يقتصر على تأويل الرُّؤيا، بل علَّمهم ما يصنعون، وبيَّن لهم ما يعملون، ودبَّر لهم المخرج ممَّا عسى به يُصابُون.

وممَّا تجدُر الإشارة إليه أنَّ يُوسُفَ مِن كَرَمِ أخلاقه، ونُبْل شُعُورِه لم يُعَاتِب السَّاقِي لعدم قيامه بما كان طَلَبَ منه، ولم يطلب منه تأكيد ذكره عند الملك، إذ ما بعد الشِّدَّة إلَّا الفَرَج، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦)} [الشَّرح] فاللَّيل إذا اشتدَّ ظلامُه أوشكَ الفجرُ أن ينبلجَ نورُه، والشِّدَّة إذا تَنَاهَتْ لم يَعْقُبْها إلَّا الفَرَجُ، والمصائبُ إذا تَوَالتْ تَولَّتْ، وإنَّ الفرج مع الكرب، وإنَّ النَّصر مع الصَّبر، والله ـ لا ريب ـ يُحْدِثُ بعد العُسْرِ ميْسَرةً.

فإذا ما ضاقتْ بك الأيَّام واستحكمت حلقاتُها؛ فأبشر بالفرج، فلا يعقب

<<  <   >  >>