للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ الله ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ الله حَتَّى قَبَضَهُ الله، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟! قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ (١)، فَأَكَلْنَاهُ " (٢)

وقد أشكل على البعض كيف أنَّ النَّبيَّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ يطوي الأيام ذات العدد جوعاً، وهو بين أصحابه، ومنهم من يملك الأموال الجسام، كأمثال: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرّحمن بن عوف، وغيرهم كثيرـ رضي الله عنهم ـ! وكيف يُوصَفُ النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ بذلك، وقد ثبت أنَّه لم يكن معوزاً ولا محتاجاً، فقد ساق ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ من الهدي مائة بدنة في السَّنة الَّتي حجَّ بها، ونحر منها بيده الشَّريفة ثلاثاً وستين بدنة، ثمَّ أعطى عليّاً فنحر ما بقي منها، وقسّمها على المساكين، فقد أخرج مسلم من حديث جابر ـ - رضي الله عنه - ـ: " ... ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ" (٣)

والجواب أنَّ عدم شبعهم لم يكن على كلِّ حالة ووجه، ولم يكن عن عوز وضيق، ولكنَّهم كانوا يؤثرون تارَة، وتارَة لكراهة الشَّبع والتَّوسُّع في المأكل والمشرب، وعلى هذه الخليقة كانت خلائق الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ.

وحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ فيه قيود، فقولها: "مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ" فيه أنَّ الشَّبع المنفي بقيد المدينة، فاستثنت بذلك ما كان قبل الهجرة، وقولها: "مِنْ طَعَامِ بُرٍّ " فيه استثناء لأنواع الأطعمة الأخرى، وقولها: "ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا" نَفَت الشَّبع على التَّوالي لا مطلقاً.

* * *


(١) بَلَلْنَاهُ وليَّنَّاه بالماء.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (م ٣/ج ٦/ص ٢٠٤) كتاب الأطعمة.
(٣) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٧/ص ١٩١).

<<  <   >  >>