للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أغنى عنه ذلك شيئاً.

فنتعلَّم من هذا أنَّ الحذر لا يدفعُ القَدَرَ، ولا يردُّ شيئاً قضاه الله، وإن جَهِدَ العبد جَهْدَه؛ فما أراده اللهُ تعالى نافذٌ لا محالة، ومع هذا ينبغي لنا الاحتياط والحذر بجانب القدر؛ أخذاً بالأسباب، ولذلك قال النَّبيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: " لا يغني حَذَرٌ مِن قَدَر، والدُّعاء ينفع ممَّا نزل، وممَّا لم ينزلْ، وإنَّ البلاء لينزل فيتلقاه الدُّعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" (١).

وصيَّةُ يَعْقُوب ـ - عليه السلام - ـ لأولادِه

وتجهَّز أبناءُ يعقوب للرَّحيل، وقبل أن يمضوا أوصاهم أبوهم يَعْقُوبُ بلهجة التحبُّب والنُّصح: {يَابَنِيَّ} الأحدَ عَشَرَ رجلاً {لَا تَدْخُلُوا} مِصْرَ {مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} مجتمعين، فتسرع إليكم عيونُ الحاسدين كونكم أبناء رجلٍ واحد {وَادْخُلُوا مِنْ ... أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}؛ فذلك أحوط وأحرز لكم.

وقوله: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ ... مُتَفَرِّقَةٍ} فيه إطناب، وهو في علم المعاني: زيادة اللَّفظ على المعنى، وفائدته تمكين المعنى من النَّفس، وفي قوله: {لَا تَدْخُلُوا} و {وَادْخُلُوا} طباق سلب بديع.

مع ذلك: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ} أمر {اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} فهذا التَّحذير والتَّدبير لا يغني من قدر الله تعالى، فما أنا مغنٍ عنكم نقيراً ولا فتيلاً، ولا أملك لكم من قطمير، فالله ـ عزَّ وجلَّ ـ إذا قضى فلا رادَّ لقضائِه ولا معقِّبَ لحكمه.

ولم يبيّن يعقوبُ ـ - عليه السلام - ـ لأبنائه علَّة هذا التَّحذير، والحكمة من هذه الوصيَّة، لكنَّه قدَّم حقيقة إيمانيَّة: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} قدَّره عليكم.


(١) الحاكم " المستدرك " (ج ١/ص ٤٩٢) كتاب الدّعاء، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه.

<<  <   >  >>