وبعد هذه المقارنة نصَّ قراره الجازم: أمَّا أنا {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ} أي لن أُفَارِقَ أرضَ مِصْر {حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} بالبراح والرُّجوع إليه راضياً عنِّي {أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي} بخلاصِ أخي {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (٨٠)}؛ لأنه سبحانه لا يحكم إلَّا بالعدل والحقِّ.
أمَّا أنتم، فالرأي عندي:{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} وأُخِذَ بسرقته {وَمَا شَهِدْنَا} عليه بالسَّرقة وجزائها {إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} علماً أكيداً، فقد أُخْرِجَ الصِّواعُ من متاعه {وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (٨١)} أي ما كنَّا نعلم أن أمراً كهذا سيحدث، وإلَّا لما آتيناك عهداً مؤكَّداً باليمين، وقد قلت:{إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}، وقد أُحيطَ بنا، إذ لا حول لنا مع حكومة مِصْرَ الَّتي لم ندع جهداً، ولم نترك حرصاً، ولم ندَّخِر وسعاً، ولم نوفِّر اجتهاداً معها.
ومن قوله:{وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} نفهم أنَّه لا يجوز للإنسان أن يشْهَدَ إلّا بما علمه علماً يقيناً، إمَّا بمشاهدة، أو خبر مَن يوثق به، وأنَّ الشَّهادة مرتبطة بالعلم عقلاً وشرعاً، فلا تقبل إلّا ممَّن عَلِمَ.
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} وادعوه أنْ يسألَ أهْل مِصْر إنْ كَانَ في ريْبٍ من كلامنا، وقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} مجاز عن أهلها لما بينهما من المجاورة، وهومجاز مرسل وعلاقته المحليَّة كما يعرف في علم البيان، من إطلاق اسم المحلِّ على الحالِّ، فقد عبَّر بالقرية عن ساكنها.
{وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} أي وليتثبَّت أيضاً وليتحقَّق من أصحاب القافلة الَّذين كانوا يمتارون معنا عن صدقنا، {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٨٢)} في أقوالنا.
وفي قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ ... (٨٢)} ما يعرف