لوط، ثم شعيب، ثم موسى وهارون، وبعد هذه السُّورة التي اشتملت على هذه القصص الحسنة المجملة كلِّها، جاءت سُورةُ يُوسُفَ تقصُّ علينا أحْسَنَ القَصَصِ المتَّصلة المفصَّلة؛ لتُثْبِت إعجاز القرآن في المُجْمَل والمُفَصَّل، والإيجاز والإطناب.
كما جَمَعَتْ بين السُّورتين سُنَّةُ الله تعالى في نجاة رسله والَّذين آمنوا برحمة الله وفضله، فممَّا ورد من ذلك في سورة هود، قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦)} [هود] وقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤)} [هود] وفي سورة يوسف، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)} فسبحان منزل الكتاب، وناصر الأحباب!
ومن أوجه التَّناسب أنَّ سورة هود حدَّثتنا عن عداوة وحسد الأباعد للأنبياء، وسورة يُوسُفَ حدَّثتنا عن عداوة وحسد الأقارب لنبيِّ الله يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ، وكلاهما تسلية للنَّبِيِّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ الَّذي لقي من عداوة الأقارب والأباعد ما يعلمه الله.
أمَّا سورة الرَّعد فوجه وضعها بعد سُورَةِ يُوسُفَ أنَّ سُورة يُوسُفَ خُتمت بالحديث بإجمال عن آيات الله في السّموات والأرض، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (١٠٥)} [يوسف] ثمَّ جاءت سُورة الرَّعد، وافتتحت بالحديث عن هذه الآيات الكونيَّة بالتَّفصيل، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ