للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَلِمَ أنَّه سَيَمُوتُ بَعْدَ عَامٍ مثلاً لم يُفَكِّرْ يومَاً في عَمَلٍ أو في شأنٍ من شؤون الحياة، ولظلَّ حَزِيناً، ينتَظِرُ أجله ساعةً بَعْدَ ساعة ...

أيضاً لو اطَّلَعَ النَّاسُ بَعْضُهم على ما في قُلُوب بَعْضٍ من الغِشِّ والحِقْدِ والكُرْهِ والضَّغِينَةِ والغِلّ والرِّياء ... فَكَيْفَ يَعِيشُ النَّاسُ سُعَدَاء؟! فالجَهْلُ بالغَيْبِ والمُسْتَقْبَلِ، والجَهْلُ بما في الصُّدُور والقُلُوبِ رَحْمَة من الله تعالى تَضْمَنُ لنا السَّعادَة ونحنُ لا نَشْعُرُ.

ولَم يُظْهِر الله تعالى على غَيْبِهِ أحداً إلَّا بَعْض الرُّسُلِ؛ لِيَكُونَ مُعْجِزَةً لهم، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)} [الجنّ] فالرُّسُل مؤيَّدونَ بالمُعْجِزَاتِ، ومنها الإخْبَارُ عن بَعْضِ المُغَيَّباتِ، كما قَالَ تعالى عن عيسى ـ - عليه السلام - ـ: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ ... فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ ... فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ... إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩)} [آل عمران].

أمَّا عُشَّاق الضَّلالِ كالعَرَّافين والعباقِرة الفلكيِّين والرَّمَّالِينَ والنَّاظِرينَ في الكَفِّ أحْفَاد الشَّياطِين، الَّذين أوهموا النَّاسَ أنَّهُم قَد عُيِّنُوا على اللَّوح المحفوظ، لا يَعْلَمُونَ من الغيب شيئاً ولا يَجُوزُ تصديقُهم {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)} [يونس]

فالله تعالى وحده يعلم الغيب، و {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣)} [الأنعام]، و {يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠)} [الأنبياء]، {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥)} [النَّمل]، و {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ... بِذَاتِ الصُّدُورِ (٤)} [التّغابن]

ومن جميل الموافقات، قول زهير:

<<  <   >  >>