للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشَّاهد: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)} فإنَّه لمَّا كان الخبر يحتمل الصِّدق والكذب، قدَّم الشَّاهِدُ الصِّدقَ مواجهةً، ثمَّ لم يواجه يُوسُفَ ـ - عليه السلام - ـ بالكذب، بل أدخله في جملة الكاذبين، تلطُّفاً في الخطاب.

أيضاً لم يقل: (فقد كذب) كما قال: {فَكَذَبَتْ} مراعاة لأدب الخطاب، والدخول في المعنى بألطف عبارة.

ففي قوله: {مِنَ الْكَاذِبِينَ} بصيغة الجمع، وإعراضه عن صيغة المفرد (كاذب)، فيه إكرام ليُوسُفَ لئلّا يواجهه بالكذب، وفي إعراضه عن الفعل (كَذَبَ) تكريم آخر ليُوسُفَ لئلّا يناله الفعل.

والكلام عن نظم القرآن يحتاج إلى إرخاء العنان في ميادين البيان، وأضرب عن ذلك بغية الاختصار والإجمال، وهو مبسوط في مصنَّفات علوم القرآن، وهناك شواهد له متفرقة في غير موضع من هذا الكتاب.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ في قوله: {قُبُلٍ} و {دُبُرٍ} و {فَصَدَقَتْ} و {فَكَذَبَتْ} و {الْكَاذِبِينَ} و {الصَّادِقِينَ} من المحسنات البديعيَّة ما يعرف بطباق الإيجاب، والطّباق يُسْهِمُ في تجلية المعنى وإبرازه وتثبيته في ذهن المتلقِّي.

الدَّرسُ الَّذِي نَأْخُذُه مِنَ الحادِثة

مِنَ النَّادِر والْغرِيب بدء المرأة بِمُرَاوَدَة الرَّجُل، فَلَا نَرَى الْمُرَاوَدة والتَّعَرُّض والتَّحَرُّش يَأْتِي أَوَّلاً إِلَّا من الرَّجل، الْأَمر الَّذِي يُؤكِّد لنا رُجْحَانَ كفَّة حَيَاء المرأة عَلَى الرَّجُل.

وَأمَّا هَذِه الْحَادثة، فَزَوْجة الْعَزِيز قد تَكُون علَى شَيءٍ مِن الْعُذْر؛ لِفَرَط حُسْن

<<  <   >  >>