للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القيامة فِي ظِلِّهِ (١) يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " (٢)

ولذلك فإنَّ كلّ من دعته امرأةٌ ذاتُ حُسْنٍ وحَسَبٍ ونَسَبٍ إلى نفسها، فقال لها بلسان اليقين ومنطق الحقِّ المبين: إنِّي أخاف الله ربّ العالمين؛ ليعظها ويزجرها، أو قال ذلك بقلبه زجراً لنفسه، فإن هذا يترتَّب عليه أن يظلَّه الله تعالى في ظلِّ عرشه يوم القيامة، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه، منَّة من الله وفضلاً.

وقد بيَّن النَّبِيُّ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ أنَّ أعظَمَ بلاء النَّاس من اللِّسان والفَرْج، فقال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ " (٣)

والحديث ليس فيه تقييد بالرَّجل، فالمرأة إذا دعاها رجل إلى نفسه، فقالت: معاذ الله. فهي من السَّبعة الّذين يظلُّهم الله في ظلّه يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ لأنَّ أحكام الشَّرع عامَّة للمكلَّفين أجمعين إلّا إذا ورد خلاف ذلك بنص صحيح صريح.

ولا عجب أن يستحقَّ من ترفَّع عن الفواحش أن يكون في كنف الله وستره، بعد أنّ صدَّق فِعْلُه قولَه، وعصى هوى النَّفس خوفاً من الله تعالى، لا خوفاً من مقولة قائل، أو لومة لائم، أو عقوبة سلطان عادل، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ


(١) المراد ظلّ عرشه، لدلالة أحاديث حسنة صريحة على ذلك، وبه جزم القرطبي، ورجَّحه ابن حجر في كتابه " فتح الباري" (ج ٨/ص ١١٤).
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ١/ص ١٦١) كتاب الأذان، وأخرجه في كتاب الزَّكاة، وكتاب المحاربين. وأخرجه مسلم في "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٤/ج ٧/ص ١٢٠) كتاب الزّكاة، وأخرجه في كتاب الزّهد.
(٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ١٨٤) كتاب الرّقاق.

<<  <   >  >>