للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يُضُافُ إليه إلَّا الخير إرادة محبَّة وتسليم، مع أنَّ الخير والشَّرَّ من الله وبقضائه.

وانظر قوله: {فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ... (٣٤)} فقد أضاف ما مِنْه الرَّحمة إليه سبحانه، ولمَّا ذكر السّجن، قال: {لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)} فأضاف ما منه الشَّر إليهم.

وتأمَّل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة]، فذكر سبحانه أنَّه فاعل النِّعمة، وحذف فاعل الغضب، وأضاف الضَّلال إليهم.

وتأمَّل قول موسى لما قتل القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ... (١٥)} [القصص] نسبه إلى الشَّيطان، فالشَّرُّ لا يضُاف إلى الله على انفراد؛ لما فيه من توهُّم النَّقص والعيب.

وقال تعالى مخبراً عن إبراهيم ـ - عليه السلام - ـ أنَّه، قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)} [الشّعراء] فأضَافَ المرَضَ إلى نفسِهِ والشِّفاء إلى الله تعالى، وإنْ كان المرض والشِّفاء منه سبحانه، وهذا مطَّرد في فصاحة القرآن، وإِنَّما ذكرناه لأَنَّ اطِّراد مثل هذا مما يجهله البعض.

ومن ذلك أنَّ الخضر ـ - عليه السلام - ـ أضاف إرادة العَيْب إلى نفْسِه، فقال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ... فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ... (٧٩)} [الكهف] ولما ذكر الخَير والبِرَّ والرَّحمة أضاف إرادتها إلى الله تعالى، فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ... (٨٢)} [الكهف].

ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)} [الجنّ] فحُذِف الفاعل في إرادة الشَّر، وبُني الفعل

<<  <   >  >>