للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحملنا فحلفت أن لا تحملنا أفنسيت؟ قال: «لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» (١).

وجه الاستدلال: حلف النبي وهو غضبان وانعقدت يمينه فدل على اعتبار قول الغضبان ومن ذلك الطلاق (٢).

الرد من وجوه:

الأول: اختلف هل يمين النبي منعقدة أو لا؟.

قال الحافظ ابن حجر: بين أنَّ يمينه إنَّما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنَّه حملهم على ما لا يملكه ملكًا خاصًا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه وأمَّا قوله عقب ذلك لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها فهو تأسيس قاعدة مبتدأة (٣).

الثاني: على القول بأنَّ يمينه منعقدة وأنَّه كفر يأتي أنَّ الكفارات تجب على غير المكلف فليس وجوب الكفارة دليلًا على اعتبار القول.

الثالث: يحمل غضب النبي على مبادئه وهذا الذي يناسب مقامه وليس هذا محل الخلاف.

الدليل الرابع: عن عبادة بن الصامت في حديثه الطويل «فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ فَقَالَ لَهُ شَأْ (٤) لَعَنَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ» قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «انْزِلْ عَنْهُ فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا


= الُذرى: بيض الأسنمة وذروة الشيء أعلاه.
(١) رواه البخاري (٣١٣٣)، ومسلم (١٦٤٩).
(٢) انظر: شرح البخاري لابن بطال (٦/ ١٣٧)، والفروع (٥/ ٣٦٤)، وعمدة القاري (١٩/ ١٦٨).
(٣) فتح الباري (١١/ ٥٦٥). وانظر: المتواري على تراجم البخاري ص: (٢٢٧).
(٤) الناضح: البعير الذي يستقى عليه. عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: دوره في الركوب. تلدن: تلكأ ولم ينبعث مباشرة. شَأْ: صوت تزجر به الإبل.

<<  <   >  >>