أما المائدة والتوبة فسيذكرهما عقب حديثه عن سورة الفتح، وأما الفاتحة فسيذكر الخلاف فيها بعد ذلك أيضا، مع ترجيحه أنها مكيّة. وأقول: إنّه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيء في بيان المكي والمدني. لأن الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا في حاجة الى بيان ذلك، لأنهم كانوا يعايشون الوحي ومن ينزل عليه، فعرفوا زمانه ومكانه، وليس بعد العيان بيان! فهم إذا المعول عليهم في معرفة المكي والمدني، وكذلك كبار التابعين. وهم لا شك متفاوتون في معرفة ذلك، فقد يبلغ هذا ما لا يبلغ ذاك. وبناء على ذلك لم تتفق الرواية عنهم في ترتيب السور المكية والمدنية. راجع في هذا: البرهان ١/ ١٩١، والإتقان: ١/ ٢٣، ومناهل العرفان: ١/ ١٩٦، وتاريخ المصحف ١٠١. ومن هنا كان الاختلاف في عدد السور المكية والمدنية وترتيب نزولها فهذا الامام السخاوي- كما رأينا- يذكر لنا ما بلغه في ذلك عن عطاء الخراساني، وهو من الطبقة الصغرى من التابعين، اي من الخامسة، كما صنفهم ابن حجر في التقريب ١/ ٥، وهو رواه عن ابن عباس كما تقدم قريبا. وهذان الإمامان الخازن في تفسيره ١/ ١٠، والزركشي في برهانه ١/ ١٩٣، يذكران ما بلغهما عن الثقات في ذلك دون تعيين لمن رويا عنهم. ومن بعدهما الإمام جلال الدين السيوطي في إتقانه ١/ ٧٢ ينقل لنا ما رواه أبو بكر محمد بن الحارث بن أبيض في ذلك في جزئه المشهور بسنده إلى جابر بن زيد. ت ٩٣ هـ.