للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما تضمنه القرآن العزيز من الأخبار عن المغيّب: فليس ذلك ممّا تحدّاهم به «١» ولكنه دليل على صدق الرسول، وأنه كلام علّام الغيوب، وكذلك أيضا دلالة حال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كونه أميا لا معرفة له ولا يحسن ان يقرأ «٢» ولا وقف على شيء من أخبار الأمم السالفة، حتى إنّه لا يقول الشعر ولا ينظر في الكتب «٣».

ثم إنّه قد أتى بأخبار القرون الماضية والأمم الخالية، وبما كان من أول خلق الأرض والسماء إلى انقضاء الدنيا، وهم يعلمون ذلك من حاله ولا يشكون فيه فهذه الحال دليل قاطع بصدقه صلى الله عليه «٤» وعلى آله «٥».

ولكن إعجاز القرآن من قبل أنه خارج في بديع نظمه وغرابة أساليبه عن معهود كلام البشر «٦»، مختص بنمط غريب لا يشبه شيئا «٧» من القول في الرصف «٨» والترتيب لا هو من


(١) هو نوع من أنواع الإعجاز ولكنه غير منحصر في هذا النوع.
انظر: الشفا للقاضي عياض ١/ ٢٦٨. والبرهان ٢/ ٩٥، والإتقان ٤/ ٧، ومناهل العرفان ٢/ ٣٦٧، وثلاث رسائل في إعجاز القرآن ٢٣، وإعجاز القرآن للباقلاني: ٣٣ والبداية والنهاية لابن كثير: ٦/ ٧١، وفضائل القرآن له في آخر تفسيره: ٥.
(٢) قال الباقلاني: «الوجه الثاني من وجوه الإعجاز: أنّه كان معلوما من حال النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان أميا لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ» إعجاز القرآن: ٣٤.
ولا يفهم من هذا أنّ الأمية تعد معجزة بذاتها، فإنّها صفة مشتركة ولكن بانضمامها إلى غيرها يمكن اعتبارها، وهذا هو ما قرره العلماء.
(٣) قال الخطابي: «وكانوا مرة- لجهلهم وحيرتهم- يقولون: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الفرقان (٥) مع علمهم أن صاحبهم أمي وليس بحضرته من يملي أو يكتب ..
البيان ضمن ثلاث رسائل ٢٨، وانظر البرهان ٢/ ١٠٤، والإتقان ٤/ ١٤.
(٤) في د، ظ: صلّى الله عليه وسلّم.
(٥) راجع المصدر السابق، والبداية والنهاية لابن كثير ٦/ ٧٢.
(٦) وهو نحو كلام الباقلاني في إعجاز القرآن ٣٥ - ٥٠.
قال ابن عطية في مقدمة تفسيره: «والصحيح الذي عليه الجمهور أن التحدي إنّما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه» ١/ ٧١، ونقله عنه القرطبي ١/ ٧٦ والزركشي ٢/ ٩٧، والسيوطي في الإتقان ٤/ ٨، وانظر الشفا ١/ ٢٦٤، ومناهل العرفان ٢/ ٣٣٢.
ويقول الزركشي:- بعد أن ساق الأقوال في وجوه الإعجاز- «أهل التحقيق على أنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق من الأقوال، لا بكل واحد على انفراده فإنّه جمع ذلك كله، فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده مع اشتماله على الجميع ... » اه. البرهان ٢/ ١٠٦. ونقله عنه السيوطي ٤/ ١٥ وهو كما قالا.
(٧) في ظ: لا يشبهه شيئا. خطأ.
(٨) في ظ: في الوصف. والرصف: ضم الشيء بعضه إلى بعض ونظمه. اللسان ٩/ ١١٩ (رصف).

<<  <  ج: ص:  >  >>