للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنّ من حفظ القرآن من المسلمين لا تحرقه النار يوم القيامة إن ألقي فيها بالذنوب) وقال غيره: كان هذا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم علما «١» لنبوته ودليلا على أنّ القرآن كلام الله ومن عنده، ثم زال ذلك بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم «٢». وقيل: أراد بقوله: «ما احترق» القرآن لا الإهاب، أي يحترق الإهاب ولا يحترق القرآن «٣».

وكل هذه الأقوال غير مستقيمة:

أ) أما قول أبي عبيد: إنّه أراد الإهاب: قلب المؤمن وجوفه فتأويل لا دليل عليه لأن الإهاب: الجلد الذي لم يدبغ، فاستعماله في جوف المؤمن أو قلبه من غير دليل: لا يصح، وظاهر اللفظ أيضا يقتضي خلاف ذلك، لأنّ هذا الكلام إنّما يقال على وجه الفرض والتقدير «٤»، أي لو قدر جعله في إهاب، ثم ألقي في النار ما احترق الإهاب، ولا يستغرب كون القرآن «٥» في جوف المؤمن (ثم إنّ جوف المؤمن) «٦» لا يلقى في النار دون جسده، ثم إن أراد نار الدنيا فإنّا «٧» لا نشك في احتراق من يلقي فيها من حفظة القرآن، وقد وقع ذلك، وإن أراد نار الآخرة «٨» فبعيد أن يقال: لو ألقي قلب المؤمن في النار ما احترق.

ب) وأما قول الأصمعي: لو جعل القرآن في إنسان ثم ألقي في النار ما احترق أي أنّ من حفظ القرآن من المسلمين لم تحرقه النار يوم القيامة إن ألقي فيها: فذلك خلاف ما


اللغة والشعر والبلدان، مولده ووفاته بالبصرة (١٢٢ - ٢١٦ هـ) تاريخ بغداد ١٠/ ٤١٠.
وجمهرة أنساب العرب ٢٤٥، والبداية والنهاية ١٠/ ٢٨٣، والأعلام: ٤/ ١٦٢.
(١) في د وظ: وعلما.
(٢) ذكر هذا البغوي في شرح السنة ٤/ ٤٣٧، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث ١/ ٨٣، والمناوي في فيض القدير ٤/ ٣٢٤، وراجع اللسان ١/ ٢١٧ (أهب).
(٣) قال البغوي: حكي عن الإمام أحمد بن حنبل قال: معناه: «لو كان القرآن في إهاب يعني في جلد في قلب رجل، يرجى لمن القرآن محفوظ في قلبه أن لا تمسه النار» اه. شرح السنة ٤/ ٤٣٧.
(٤) في د: أضاف الناسخ في الحاشية جوابا من عنده استحسنه، بعض كلماته لا تقرأ، ومفاده: أنّ هناك أعمالا صالحة، من يعملها لا يدخل النار، بل يدخل الجنة بغير حساب ولا عقاب، فلا عجب من عدم إحراق النار من زاد على تلك الأعمال الصالحة حفظ القرآن، وأما قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها ففي معناها أقوال مختلفة، فلا قطع بذلك، والله أعلم.
(٥) في ظ: في قلب جوف المؤمن.
(٦) سقطت هذه العبارة من الأصل.
(٧) في د وظ: فإنّك لا تشك.
(٨) في وظ: وإن أراد بالآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>