للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الأحرف السبعة التي أنزلها الله عزّ وجلّ: لا يوافق عليه ولا يسلّم له، وما كان عثمان- رضي الله عنه- يستجيز ذلك ولا يستحل ما حرّم الله عزّ وجلّ من هجر كتابه وأبطاله وتركه «١».

وإنما قصد سد باب القالة «٢» وأن يدعى مدع شيئا ليس مما أنزل الله، فيجعله من كتاب الله عزّ وجلّ، أو يرى أن تغيير لفظ القرآن «٣» بغيره مما هو بمعناه لا بأس به، فلما كتب هذه المصاحف وأمر بالقراءة بما فيها لم يمكن أحدا من أولئك أن يفعل ما كان يفعل، والذي فعل ذلك مخطئ، لأن عمر- رضي الله عنه- أنكر على هشام بن حكيم لفظا لم يسمعه عمر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٤» وعمر- رضي الله عنه- يعلم أن ذلك جائز في العربية والدليل على أنه جائز في العربية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «هكذا أنزلت» فلولا أن تغيير القرآن لا يجوز لما أنكر عمر- رضي الله عنه- ما أنكر، فأراد عثمان- رضي الله عنه- أن يجمع القرآن كله بجميع وجوهه السبعة التي أنزل عليها، سدا لباب الدعوى، وردا لرأي من يرى تبديل حرف منه بغيره «٥».


(١) قال الطبري: ما ملخصه- «فإن قال بعض من ضعفت معرفته: وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهم إياها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأمرهم بقراءتها؟
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة، لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة واجبا عند من يقوم بنقله الحجة، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين، فإذا كان ذلك كذلك لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع تاركين ما وجب عليهم نقله ... » اه باختصار. انظر مقدمة جامع البيان (١/ ٢٨).
وأقول: أن هناك فرقا بين القول بأن المصاحف العثمانية كانت مشتملة ومتضمنة للأحرف السبعة، ولم يوجب علينا الشارع الإحاطة بجميعها، وإنما هي للتيسير والتسهيل، فكل يأخذ منها ما تيسر له فهذا كلام لا غبار عليه، فرق بين هذا وبين كون عثمان- رضي الله عنه- إنما كتب المصاحف على حرف واحد وترك ما سواها خشية الفرقة والاختلاف، فهذا هو الذي رفضه السخاوي ورد على الطبري القول به، وقد أصاب رحمه الله في ذلك.
والإمام الطبري لم يحالفه الصواب في رأيه هذا، ولكل جواد كبوة والله أعلم.
(٢) جمع قائل، فالقول في الخير والشر، والقال والقيل في الشر ويقال: كثر القيل والقال، فحكاية أقوال الناس والبحث عما لا يجدي عليه خيرا ولا يعنيه أمره، من هذا القبيل، والقالة: القول الفاحش في الناس اه اللسان (١١/ ٥٧٣) (قول) التقاطا.
(٣) في بقية النسخ: لفظ الكتاب العزيز.
(٤) وقد تقدم ذكر حديث عمر مع هشام بن حكيم أثناء الكلام على الأحرف السبعة.
(٥) وأيضا فإن كثيرا من الصحابة- رضوان الله عليهم- قد تلقوا بعض تلك القراءات وانطلقوا دعاة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>