للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجمعت عليه الكافة، وأن يختم على أفواههم فلا تنطق به، ولا أن يمحوه من صدورهم بعد وعيه وحفظه «١» ولو تركوه في الملأ لم يتركوه في الخلوة، ولكان ذلك كالحامل لهم على إذاعته والجد في حراسته كي لا يذهب من هذه الأمة كتابها وأصل دينها.

ولو أراد بعض ولاة الأمر في زماننا هذا أن ينزع القرآن- والعياذ بالله- من أيدي الأمة أو شيئا منه، ويعفى «٢» أثره لم يستطع ذلك، فكيف يجوز ذلك في زمن الصحابة

والتابعين؟ وهم هم ونحن نحن، على أنه قد روى أن عثمان- رضي الله عنه- قد قال لهم بعد ذلك- لما أنكروا عليه تحريق المصاحف وأمرهم بالقراءة بما كتب-: «اقرءوا كيف شئتم، إنّما فعلت ذلك لئلا تختلفوا» «٣».

فإن قيل: فقد قال الطبري: إن عثمان- رضي الله عنه- إنما كتب ما كتب من القرآن على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن.

قال: وليس اختلاف القراء الآن هو الذي أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة احرف» «٤».

واختلاف القراء عن هذا بمعزل، قال: لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرج عن خط المصحف الذي كتب على حرف واحد، قال: والستة الأحرف قد سقطت، وذهب العمل بها بالإجماع على خط المصحف المكتوب على حرف واحد اه «٥».

فالجواب: ان هذا الذي ادعاه من ان عثمان- رضي الله عنه إنّما كتب حرفا واحدا


(١) في د وظ: بعد وعيد حفظه.
(٢) أي يمحوه ويطمسه، مأخوذ من قولهم: «عفت الرياح الآثار، إذا درستها ومحتها» اه. انظر: اللسان (١٥/ ٧٢) (عفا).
(٣) رواه ابن أبي داود بنحوه ضمن حديث طويل، ذكر فيه أنه لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان وينقمون عليه بعض الأمور التي فعلها، ومن ضمنها أنه محا كتاب الله عز وجل، فكان هذا من جوابه عليهم. انظر كتاب المصاحف باب اطلاق عثمان رضي الله عنه القراءة على غير مصحفه (ص ٤٥، ٤٦).
وأقول: إنه لا يفهم من كلام عثمان- رضي الله عنه- هذا أنه أباح لهم القراءة بالشاذ، وإنما يفهم منه أنه جوز لهم القراءة بما هو ثابت وصحيح، فإذا ما رجعوا إلى الثابت الصحيح فإنهم بالطبع سيرجعون إلى المصحف الإمام الذي كتبه على ملأ من كبار الصحابة، فلعلهم أنكروا عليه صنيعه دون النظر في معرفة السبب ودون الرجوع إلى دستوره فيما كتبه رضي الله عنه.
(٤) سبق تخريجه أثناء الحديث عن ذكر الأحرف السبعة.
(٥) راجع مقدمة تفسير الطبري (١/ ٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>