للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنكرها أبو عمرو: لأنها لم تبلغه على وجه التواتر «١».

وعن أبي حاتم السجستاني «٢» - رحمه الله- قال: أول من تتبع بالبصرة وجوه القرآن وألفها، وتتبع الشاذ منها فبحث عن إسناده: هارون ابن موسى الأعور، وكان من العتيك مولى، وكان من القراء، فكره الناس ذلك، وقالوا: قد أساء حين ألفها، وذلك أن القراءة «٣» إنّما يأخذها قرون وأمة عن أفواه أمة، ولا يلتفت منها إلى ما جاء من وراء وراء.

وقال الأصمعي: عن هارون المذكور- كان ثقة مأمونا، وقال «٤»: كنت أشتهي أن يضرب لمكان تأليفه الحروف «٥» وكان الأصمعي لا يذكر أحدا بسوء إلا من عرفه ببدعة.

قلت: وإذا كان القرآن هو المتواتر، فالشاذ ليس بقرآن لأنه لم يتواتر فإن قيل: لعلّه قد كان مشهورا متواترا، ثم ترك حتى صار شاذا.

قلت: هذا كالمستحيل بما تحققناه من أحوال هذه الأمة وأتباعها لما جاء عن نبيها صلّى الله عليه وسلّم، وحرصها على امتثال أوامره.

وقد قال لهم صلّى الله عليه وسلّم: «بلغوا عني ولو آية» «٦». وأمرهم باتباع القرآن والحرص عليه، وحضّهم على تعلّمه وتعليمه، ووعدهم على ذلك الثواب الجزيل والمقام الجليل، فكيف استجازوا تركه، وهجروا القراءة به حتى صار شاذا بتضييعهم إياه وانحرافهم عنه؟

فإن قيل منعوا من القراءة به وحرقت مصاحفه.

قلت: هذا من المحال، وليس في قدرة أحد من البشر أن يرفع ما أطبقت عليه الأمة


التواتر لم يقدح ذلك فيما سبق من العلم بها، فقراءة السبع كلها متواترة وقد اتفق على أن المكتوب في المصاحف متواتر الكلمات والحروف ... » اه لطائف الإشارات (١/ ٧٨).
(١) وقد روى أن أبا عمرو رجع إلى قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم. انظر: تفسير القرطبي (٢٠/ ٥٧).
(٢) هو سهل بن محمد بن عثمان بن يزيد أبو حاتم السجستاني، إمام البصرة في النحو والقراءة واللغة والعروض، له مصنفات في القراءات، توفي سنة ٢٥٥ هـ. الفهرست لابن النديم (ص ٨٦) ومعرفة القراء الكبار (١/ ٢١٩) وغاية النهاية (١/ ٣٢٠).
(٣) في د: أن القراء.
(٤) في بقية النسخ: قال.
(٥) كلام أبي حاتم السجستاني والأصمعي ذكره أبو شامة تلميذ السخاوي نقلا عن «جمال القراء» انظر المرشد الوجيز (ص ١٨١) وراجع غاية النهاية (٢/ ٣٤٨).
(٦) رواه البخاري كتاب الأنبياء باب ذكر بني إسرائيل (٤/ ١٤٥)، والترمذي في أبواب العلم باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل (٧/ ٤٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>