للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: هذه الآية التي نسخت مائة وأربعا وعشرين آية «١»، نسخت بقوله عزّ وجلّ في آخرها «٢»: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ «٣».

ولا يقول مثل هذا ذو علم، إنما هو «٤» خبط جاهل في كتاب الله، إنما قال عزّ وجلّ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ما قال: اقتلوا المسلمين. وقال الحسن، والضحاك، والسدي، وعطاء: هي منسوخة من وجه آخر، وذلك أنها اقتضت قتل المشركين على كل حال، فنسخت بقوله عزّ وجلّ: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً «٥»، فلا يحل قتل أسير صبرا «٦».

وقال قتادة، ومجاهد: بل هي ناسخة لقوله عزّ وجلّ: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً، فلا يجوز في أسرى المشركين إلّا القتل دون المن والفداء «٧».


(١) قال ابن الجوزي: «وقد ذكر بعض من لا فهم له من ناقلي التفسير أن هذه الآية- وهي آية السيف- نسخت من القرآن مائة وأربعا وعشرين آية ثم صار آخرها ناسخا لأولها، وهو قوله: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ. وهذا سوء فهم، لأن المعنى: اقتلوهم وأسروهم، إلا أن يتوبوا من شركهم، ويقروا بالصلاة والزكاة فخلّوا سبيلهم ولا تقتلوهم» أ. هـ ص ٣٦٠.
قلت: وقد تقدم كلام السخاوي ورده على من قال: أن آية السيف نسخت أربعا وعشرين ومائتي آية؛ وشنع على القائلين بذلك، وذلك في آخر سورة الأنعام. ص ٧٠٥.
(٢) أي في آخر آية السيف السالفة الذكر.
(٣) حكى دعوى النسخ هنا ابن حزم ص ٤٠، وابن سلامة ص ١٨٤، قال مكي- بعد أن حكى القول بالنسخ عن ابن حبيب الذي قال: أن الآية منسوخة، مستثنى منها بقوله فَإِنْ تابُوا ... - قال:
«ولا يجوز في هذا نسخ، لأنها أحكام لأصناف من الكفار، حكم الله على قوم بالقتل إذا أقاموا على كفرهم، وحكم لقوم بأنهم إذا آمنوا وتابوا أن لا يعرض لهم، وأخبر بالرحمة والمغفرة لهم، وحكم لمن استجار بالنبي- عليه السلام- وأتاه أن يجيره ويبلغه إلى موضع يأمن فيه، فلا استثناء في هذا، إذ لا حرف فيه للاستثناء، ولا نسخ فيه، إنما كل آية في حكم منفرد، وفي صنف غير الصنف الآخر، فذكر النسخ في هذا وهم، وغلط ظاهر، وعلينا أن نبيّن الحق والصواب» أ. هـ الإيضاح ص ٣١١.
(٤) (هو): ساقط من ظ.
(٥) سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم ٤.
(٦) انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٩٧، والإيضاح ص ٣٠٩، ونواسخ القرآن ص ٣٥٩، وتفسير القرطبي ٨/ ٧٣.
وسيأتي قريبا- ان شاء الله- أن هذا القول مرجوح وأن الآيتين محكمتان.
(٧) ذكر هذا القول النحاس في المصدر السابق ص ١٩٨، دون أن يعزوه لأحد، وذكره مكي معزوا إلى قتادة، ومجاهد. الايضاح ص ٣٠٩. وكذلك ابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٣٦٠، والقرطبي ٨/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>