للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ذكرَ من طريق ابن عُيينة، عن منصور بن صفيةَ، عن أُمِّه صفيةَ بنت شيبة قالت: دخل ابن عمرَ المسجدَ فأبصر ابنَ الزبير مطروحًا قبل أن يُصلبَ (١)، فقيل له: هذه أسماء بنت أبي بكر الصديق. فمال ابن عمر إليها، فعزَّاها، وقال: إنّ هذه الجُثثَ ليست بشيء، وإنّ الأرواحَ عند الله. فقالت أمه: وما يمنعني، وقد أُهدي رأسُ يحيى بن زكريا إلى بَغيٍّ من بغايا بني إسرائيل (٢)!

قلت: وما ذكره أبو محمد فيه حقٌّ وباطلٌ. أما قوله: من ظنَّ أنّ الميت يحيا في قبره فخطأ؛ فهذا فيه إجمالٌ إن أراد به الحياةَ المعهودة في الدنيا التي تقوم فيها الروحُ بالبدن، وتدبِّره وتصرِّفه ويحتاج معها إلى الطعام والشراب [٢٧ ب] واللِّباس، فهذا خطأ كما قال، والحِسُّ والعقل يُكذِّبه كما يُكذِّبه النصُّ.

وإن أراد به حياةً أخرى غيرَ هذه الحياة، بل تُعاد الروحُ إليه إعادةً غير الإعادة المألوفة في الدنيا، ليُسأل ويُمتحن في قبره= فهذا حقٌّ، ونَفيُه خطأ. وقد دلَّ عليه النصُّ الصحيح الصريح، وهو قوله: «فَتُعاد روحُه في جسده».

وسنذكر الجوابَ عن تضعيفه للحديث (٣) إن شاء الله.

وأما استدلاله بقوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}


(١) (ط، م): «يغلب»، تحريف. وزاد في (ب) قبله: «يدفن».
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٣١٣١٧، ٣٢٥٦٧، ٣٨٤٨٣). وعزاه السيوطي في شرح الصدور (٢٧٠) إلى المصنف وإلى كتاب العزاء لابن أبي الدنيا. وانظر: المحلى (١/ ٢٢).
(٣) انظر (ص ١٣٧).