للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نشكُّ (١) أن الواحد منَّا يمكنه أن يتخيَّل بحرًا من زئبق، وجبلًا من ياقوت، وشموسًا وأقمارًا. فهذه الصور الخيالية لا تكون معدومةً؛ لأن قوة المتخيِّل تشير إلى تلك الصور، وتميِّز بين كلِّ صورة وغيرِها. وقد يقوى ذلك المتخيَّل إلى أن يصير كالمشاهَد المحسوس. ومعلومٌ أن العدم المحض، والنفي الصِّرف لا يَثْبُت فيه ذلك. ونحن نعلم بالضرورة أنَّ هذه الصور ليست موجودة في الأعيان، فثبت أنها موجودة في الأذهان. فنقول: مَحلُّ هذه الصورة إما أن يكون جسمًا أو حالًّا في الجسم، أو لا جسمًا ولا حالًّا في الجسم. والقسمان الأولان باطلان. لأن صورة البحر والجبل صورة عظيمة، والدماغ والقلب جسم صغير، وانطباعُ العظيم في الصغير محال. فثبت أن محلَّ هذه الصورة الخيالية ليس بجسم ولا جسماني.

الثامن: لو كانت القوة العقلية جسمانيَّة (٢) لضعفتْ في زمان الشيخوخة دائمًا، وليس كذلك.

التاسع: أنَّ القوة العقلية غنيَّة في أفعالها عن الجسم، وما كان غنيًّا في فعله عن الجسم وجَبَ أن يكون غنيًّا في ذاته عن الجسم.

بيان الأول: أن القوة العقلية تدرك نفسَها، ومن المحال أن يحصل بينها وبين نفسها آلة متوسطة. وأيضًا تدرك (٣) إدراكها لنفسها، وليس هذا الإدراك بآلة. وأيضًا فإنها تدرك الجسم الذي هو آلتُها، وليس بينها وبين آلتها آلةٌ أخرى.


(١) (ب، ط، ج، غ): «لا شك».
(٢) ما عدا الأصل و (غ): «جسدانية».
(٣) ما عدا (ب، ط، ج): «متوسطة أيضًا. وتدرك».