للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيان الثاني من وجهين:

أحدهما [١٣٠ أ]: أنَّ القوى الجسمانية كالناظرة (١) والسامعة والخيال والوهم (٢)، لما كانت جسمانيةً تعذَّر عليها إدراكُ ذواتها، وإدراكُها لكونها مدركةً لذواتها، وإدراكُها لتلك الأجسام الحاملة لها. فلو كانت القوة العقلية جسمانيةً لتعذَّر عليها هذه الأمور الثلاثة.

الثاني: أنَّ مصدر الفعل هو النفس. فلو كانت النفس متعلِّقةً في قوامها ووجودها بالجسم لم تحصل تلك الأفعالُ إلا بشركة من الجسم. ولمَّا ثبت أنَّه ليس كذلك ثبت أنَّ القوة العقلية غنيَّة عن الجسم (٣).

العاشر: أنَّ القوة الجسمانية تكِلُّ بكثرة الأفعال، ولا تقوى على القوي بعد الضَّعيف. وسببه ظاهر، فإن القُوَى الجسمانية بسبب مزاولة الأفعال تتعرَّض موادُّها للتحلُّل والذبول، وهو يوجب الضعف. وأما القوة العقلية فإنها لا تضعف بسبب كثرة الأفعال، وتقوى على القوي بعد الضعيف، فوجب أن لا تكون جسمانية.

الحادي عشر: أنَّا إذا حكمنا بأنَّ السواد مضادٌّ للبياض وجبَ أن يحصل في الذهن ماهيةُ السواد والبياض، والبديهةٌ حاكمةٌ بأنَّ اجتماعَ السواد والبياض والحرارة والبرودة في الأجسام محالٌ، فلما حصل هذا الاجتماع في القوة العقلية وجب أن لا تكون قوة جسمانية.


(١) (ب، ط، ج): «الباصرة».
(٢) تحرف في (ب، ط، ج) إلى «وجوه».
(٣) «ولما ثبت ... الجسم» ساقط من (ب، ط).