للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنا إدراكه، أو لمانعٍ يمنع من إدراكه، أو للطفِه عن إدراك حواسِّنا. فما عَدِمَ اللون من الأجسام لم يُدرَك بالبصر كالهواء والنار في عنصرها، وما عَدِم الرائحةَ لم يُدرَك بالشمِّ كالنار والحصا والزجاج، وما عَدِمَ المجَسَّةَ لم يُدرَك باللمس كالهواء الساكن (١).

وأيضًا فالروح هي المدرِكةُ لمدارك (٢) هذه الحواسِّ بواسطة آلاتها (٣)، فالنفسُ هي الحاسة المدركة (٤)، وإن لم تكن محسوسة. فالأجسام والأعراض محسوسة، والنفس مُحِسَّة بها. وهي القابلة لأعراضها المتعاقبةِ عليها من الفضائل والرذائل، كقبول الأجرام لأعراضها المتعاقبة عليها. وهي المتحركة باختيارها، المحرِّكة للبدن قسرًا (٥) وقهرًا. وهي مؤثرة في البدن، متأثرةٌ به، تألمُ وتلَذُّ، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتنعَم وتبأس، وتحب وتكره، وتَذكرُ وتنسى، وتصعد وتنزل، وتعرِفُ وتُنكر. فآثارها (٦) من أدلِّ الدلائل على وجودها، كما أن آثار الخالق سبحانه دالةٌ على وجوده وعلى كماله؛ فإن دلالة الأثر على مؤثره ضرورية.

وتأثيراتُ النفوس بعضِها في بعض أمرٌ لا ينكره ذو حسٍّ سليم ولا عقل


(١) في الأصل: «الساكنة». وكذا في (غ) مع (ظ) فوقها».
(٢) (ز): «لنحو ما تدرك».
(٣) (أ، غ): «آلتها».
(٤) (أ، غ): «المذكورة»، تحريف.
(٥) (ط): «صبرًا»، تحريف.
(٦) (أ، غ): «فأثرها».