أي: أفلا تتعجب من حالة هذا الكافر، الذي جمع بين كفره بآيات الله ودعواه الكبيرة، أنه سيؤتى في الآخرة مالا وولدا، أي: يكون من أهل الجنة، هذا من أعجب الأمور، فلو كان مؤمنا بالله وادعى هذه الدعوى، لسهل الأمر.
وهذه الآية -وإن كانت نازلة في كافر معين- فإنها تشمل كل كافر، زعم أنه على الحق، وأنه من أهل الجنة، قال الله، توبيخا له وتكذيبا:{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} أي: أحاط علمه بالغيب، حتى علم ما يكون، وأن من جملة ما يكون، أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا؟ {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} أنه نائل ما قاله، أي: لم يكن شيء من ذلك، فعلم أنه متقول، قائل ما لا علم له به. وهذا التقسيم والترديد، في غاية ما يكون من الإلزام وإقامة الحجة؛ فإن الذي يزعم أنه حاصل له خير عند الله في الآخرة، لا يخلو: إما أن يكون قوله صادرا عن علم بالغيوب المستقبلة، وقد علم أن هذا لله وحده، فلا أحد يعلم شيئا من المستقبلات الغيبية، إلا من أطلعه الله عليه من رسله.
وإما أن يكون متخذا عهدا عند الله، بالإيمان به، واتباع رسله، الذين عهد الله لأهله، وأوزع أنهم أهل الآخرة، والناجون الفائزون. فإذا انتفى هذان الأمران، علم بذلك بطلان الدعوى، ولهذا قال تعالى:{كَلا} أي: ليس الأمر كما زعم، فليس للقائل اطلاع على الغيب، لأنه كافر، ليس عنده من علم الرسائل شيء، ولا اتخذ عند الرحمن عهدا، لكفره وعدم إيمانه، ولكنه يستحق ضد ما تقوله، وأن قوله مكتوب، محفوظ، ليجازى عليه ويعاقب، ولهذا قال:{سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} أي: نزيده من أنواع العقوبات، كما ازداد من الغي والضلال.
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي: نرثه ماله وولده، فينتقل من الدنيا فردا، بلا مال ولا أهل ولا أنصار ولا أعوان {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} فيرى من وخيم العذاب وأليم العقاب، ما هو جزاء أمثاله من الظالمين.