أي: ولقد مننا على عبدنا ورسولنا، داود عليه الصلاة والسلام، وآتيناه فضلا من العلم النافع، والعمل الصالح، والنعم الدينية والدنيوية، ومن نعمه عليه، ما خصه به من أمره تعالى الجمادات، كالجبال والحيوانات، من الطيور، أن تُؤَوِّب معه، وتُرَجِّع التسبيح بحمد ربها، مجاوبة له، وفي هذا من النعمة عليه، أن كان ذلك من خصائصه التي لم تكن لأحد قبله ولا بعده، وأن ذلك يكون منهضا له ولغيره على التسبيح إذا رأوا هذه الجمادات والحيوانات، تتجاوب بتسبيح ربها، وتمجيده، وتكبيره، وتحميده، كان ذلك مما يهيج على ذكر الله تعالى.
ومنها: أن ذلك - كما قال كثير من العلماء، أنه طرب لصوت داود، فإن الله تعالى، قد أعطاه من حسن الصوت، ما فاق به غيره، وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب، طرب كل من سمعه، من الإنس، والجن، حتى الطيور والجبال، وسبحت بحمد ربها.
ومنها: أنه لعله ليحصل له أجر تسبيحها، لأنه سبب ذلك، وتسبح تبعا له.
ومن فضله عليه، أن ألان له الحديد، ليعمل الدروع السابغات، وعلمه تعالى كيفية صنعته، بأن يقدره في السرد، أي: يقدره حلقا، ويصنعه كذلك، ثم يدخل بعضها ببعض.
ولما ذكر ما امتن به عليه وعلى آله، أمره بشكره، وأن يعملوا صالحا، ويراقبوا الله تعالى فيه، بإصلاحه وحفظه من المفسدات، فإنه بصير بأعمالهم، مطلع عليهم، لا يخفى عليه منها شيء.