يخبر تعالى: أنه ما أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم مسيطرا على الخلق ولا جعله ملكا ولا عنده خزائن الأشياء، وإنما أرسله {مُبَشِّرًا} يبشر من أطاع الله بالثواب العاجل والآجل، {وَنَذِيرًا} ينذر من عصى الله بالعقاب العاجل والآجل وذلك مستلزم لتبيين ما به البشارة وما تحصل به النذارة من الأوامر والنواهي، وإنك -يا محمد- لا تسألهم على إبلاغهم القرآن والهدى أجرا حتى يمنعهم ذلك من اتباعك ويتكلفون من الغرامة، {إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} أي: إلا من شاء أن ينفق نفقة في مرضاة ربه وسبيله فهذا وإن رغبتكم فيه فلست أجبركم عليه وليس أيضا أجرا لي عليكم وإنما هو راجع لمصلحتكم وسلوككم للسبيل الموصلة إلى ربكم، ثم أمره أن يتوكل عليه ويستعين به فقال:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ} الذي له الحياة الكاملة المطلقة {الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي: اعبده وتوكل عليه في الأمور المتعلقة بك والمتعلقة بالخلق. {وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} يعلمها ويجازي عليها.
فأنت ليس عليك من هداهم شيء وليس عليك حفظ أعمالهم، وإنما ذلك كله بيد الله {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى} بعد ذلك {عَلَى الْعَرْشِ} الذي هو سقف المخلوقات وأعلاها وأوسعها وأجملها {الرَّحْمَنُ} استوى على عرشه الذي وسع السماوات والأرض باسمه الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء فاستوى على أوسع المخلوقات، بأوسع الصفات. فأثبت بهذه الآية خلقه للمخلوقات واطلاعه على ظاهرهم وباطنهم وعلوه فوق العرش ومباينته إياهم.
{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} يعني بذلك نفسه الكريمة فهو الذي يعلم أوصافه وعظمته وجلاله، وقد أخبركم بذلك وأبان لكم من عظمته ما تستعدون به من معرفته فعرفه العارفون وخضعوا لجلاله، واستكبر عن عبادته الكافرون واستنكفوا عن ذلك ولهذا قال:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} أي: وحده الذي أنعم عليكم بسائر النعم ودفع عنكم جميع النقم. {قَالُوا} جحدا وكفرا {وَمَا الرَّحْمَنُ} بزعمهم الفاسد أنهم لا يعرفون الرحمن، وجعلوا من جملة قوادحهم في الرسول أن قالوا: ينهانا عن اتخاذ آلهة مع الله وهو يدعو معه إلها آخر يقول: " يا رحمن " ونحو ذلك كما قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} فأسماؤه تعالى كثيرة لكثرة أوصافه وتعدد كماله، ⦗٥٨٦⦘ فكل واحد منها دل على صفة كمال.
{أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} أي: لمجرد أمرك إيانا. وهذا مبني منهم على التكذيب بالرسول واستكبارهم عن طاعته، {وَزَادَهُمْ} دعوتهم إلى السجود للرحمن {نُفُورًا} هربا من الحق إلى الباطل وزيادة كفر وشقاء.