ذكر أفعالهم القبيحة، ثم ذكر مع هذا أنهم يزكون أنفسهم، ويشهدون لها بالنجاة من عذاب الله، والفوز بثوابه، وأنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة، أي: قليلة تعد بالأصابع، فجمعوا بين الإساءة والأمن.
ولما كان هذا مجرد دعوى، رد الله تعالى عليهم فقال:{قُلْ} لهم يا أيها الرسول {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} أي بالإيمان به وبرسله وبطاعته، فهذا الوعد الموجب لنجاة صاحبه الذي لا يتغير ولا يتبدل. {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ؟ فأخبر تعالى أن صدق دعواهم متوقفة على أحد هذين الأمرين اللذين لا ثالث لهما: إما أن يكونوا قد اتخذوا عند الله عهدا، فتكون دعواهم صحيحة.
وإما أن يكونوا متقولين عليه فتكون كاذبة، فيكون أبلغ لخزيهم وعذابهم، وقد علم من حالهم أنهم لم يتخذوا عند الله عهدا، لتكذيبهم كثيرا من الأنبياء، حتى وصلت بهم الحال إلى أن قتلوا طائفة منهم، ولنكولهم عن طاعة الله ونقضهم المواثيق، فتعين بذلك أنهم متقولون مختلقون، قائلون عليه ما لا يعلمون، والقول عليه بلا علم، من أعظم المحرمات، وأشنع القبيحات.
ثم ذكر تعالى حكما عاما لكل أحد، يدخل به بنو إسرائيل وغيرهم، وهو الحكم الذي لا حكم غيره، لا أمانيهم ودعاويهم بصفة الهالكين والناجين، فقال:{بَلَى} أي: ليس الأمر كما ذكرتم، فإنه قول لا حقيقة له، ولكن {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} وهو نكرة في سياق الشرط، فيعم الشرك فما دونه، والمراد به هنا الشرك، بدليل قوله:{وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} أي: أحاطت بعاملها، فلم تدع له منفذا، وهذا لا يكون إلا الشرك، فإن من معه الإيمان لا تحيط به خطيئته.
{فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية، وهي حجة عليهم كما ترى، فإنها ظاهرة في الشرك، وهكذا كل مبطل يحتج بآية، أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حجة عليه.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا} بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ولا تكون الأعمال صالحة إلا بشرطين: أن تكون خالصة لوجه الله، متبعا بها سنة رسوله.
فحاصل هاتين الآيتين، أن أهل النجاة والفوز، هم أهل الإيمان والعمل الصالح، والهالكون أهل النار المشركون بالله، الكافرون به.