هذا جزاء المتقين لله الذين اتقوا سخطه وعذابه بتركهم المعاصي وفعلهم الطاعات، فلما انتفى السخط عنهم والعذاب ثبت لهم الرضا من الله والثواب العظيم في ظل ظليل من كثرة الأشجار والفواكه وعيون سارحة تجري من تحتهم الأنهار يفجرونها تفجيرا في جنات النعيم.
فأضاف الجنات إلى النعيم لأن كل ما اشتملت عليه كله نعيم وسرور، كامل من كل وجه ما فيه منغص ولا مكدر بوجه من الوجوه.
ولباسهم من الحرير الأخضر من السندس والإستبرق أي: غليظ الحرير ورقيقه مما تشتهيه أنفسهم. {مُتَقَابِلِينَ} في قلوبهم ووجوههم في كمال الراحة والطمأنينة والمحبة والعشرة الحسنة والآداب المستحسنة.
{كَذَلِكَ} النعيم التام والسرور الكامل {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عين} أي: نساء جميلات من جمالهن وحسنهن أنه ⦗٧٧٥⦘ يحار الطرف في حسنهن وينبهر العقل بجمالهن وينخلب اللب لكمالهن {عينٍ} أي: ضخام الأعين حسانها.
{يَدْعُونَ فِيهَا} أي: الجنة {بِكُلِّ فَاكِهَةٍ} مما له اسم في الدنيا ومما لا يوجد له اسم ولا نظير في الدنيا، فمهما طلبوه من أنواع الفاكهة وأجناسها أحضر لهم في الحال من غير تعب ولا كلفة، {آمِنِينَ} من انقطاع ذلك وآمنين من مضرته وآمنين من كل مكدر، وآمنين من الخروج منها والموت ولهذا قال:{لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى} أي: ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا فتم لهم كل محبوب مطلوب، {وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ} أي: حصول النعيم واندفاع العذاب عنهم من فضل الله عليهم وكرمه فإنه تعالى هو الذي وفقهم للأعمال الصالحة التي بها نالوا خير الآخرة وأعطاهم أيضا ما لم تبلغه أعمالهم، {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وأي فوز أعظم من نيل رضوان الله وجنته والسلامة من عذابه وسخطه؟
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} أي: القرآن {بِلِسَانِكَ} أي: سهلناه بلسانك الذي هو أفصح الألسنة على الإطلاق وأجلها فتيسر به لفظه وتيسر معناه. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ما فيه نفعهم فيفعلونه وما فيه ضررهم فيتركونه.
{فَارْتَقِبْ} أي: انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} ما يحل بهم من العذاب وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدينا والآخرة، وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة.