هذا خبر بمعنى الأمر، تنزيلا له منزلة المتقرر، الذي لا يحتاج إلى أمر بأن {يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} .
ولما كان الحول، يطلق على الكامل، وعلى معظم الحول قال:{كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فإذا تم للرضيع حولان، فقد تم رضاعه وصار اللبن بعد ذلك، بمنزلة سائر الأغذية، فلهذا كان الرضاع بعد الحولين، غير معتبر، لا يحرم.
ويؤخذ من هذا النص، ومن قوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأنه يمكن وجود الولد بها.
{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ} أي: الأب {رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وهذا شامل لما إذا كانت في حباله أو مطلقة، فإن على الأب رزقها، أي: نفقتها وكسوتها، وهي الأجرة للرضاع.
ودل هذا، على أنها إذا كانت في حباله، لا يجب لها أجرة، غير النفقة والكسوة، وكل بحسب حاله، فلهذا قال:{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} فلا يكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني، ولا من لم يجد شيئا بالنفقة حتى يجد، {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} أي: لا يحل أن تضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تمنع من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة، والكسوة أو الأجرة، {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} بأن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب، ونحو ذلك من أنواع الضرر.
ودل قوله:{مَوْلُودٌ لَهُ} أن الولد لأبيه، لأنه موهوب له، ولأنه من كسبه، فلذلك جاز له الأخذ من ماله، رضي أو لم يرض، بخلاف الأم.
وقوله:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} أي: على وارث الطفل إذا عدم الأب، وكان الطفل ليس له مال، مثل ما على الأب من النفقة للمرضع والكسوة، فدل على وجوب نفقة الأقارب المعسرين، على القريب الوارث الموسر، {فَإِنْ أَرَادَا} أي: الأبوان {فِصَالا} أي: فطام الصبي قبل الحولين، {عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا} بأن يكونا راضيين {وَتَشَاوُرٍ} فيما بينهما، هل هو مصلحة للصبي أم لا؟ فإن كان مصلحة ورضيا {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} في فطامه قبل الحولين، فدلت الآية بمفهومها، على أنه إن رضي أحدهما دون الآخر، أو لم يكن مصلحة للطفل، أنه لا يجوز فطامه.
وقوله:{وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} أي: تطلبوا لهم المراضع غير أمهاتهم على غير وجه المضارة {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أي: للمرضعات، {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فمجازيكم على ذلك بالخير والشر.