{٣٤-٣٥} {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} .
هذه الآية والتي في البقرة قوله: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} مقيدتان، لكل نص مطلق، فيه إحباط العمل بالكفر، فإنه مقيد بالموت عليه، فقال هنا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر {وَصَدُّوا} الخلق {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} بتزهيدهم إياهم بالحق، ودعوتهم إلى الباطل، وتزيينه، {ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} لم يتوبوا منه، {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لا بشفاعة ولا بغيرها، لأنه قد تحتم عليهم العقاب، وفاتهم الثواب، ووجب عليهم الخلود في النار، وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار.
ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم، ويدخلهم الجنة، ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله، والإقدام على معاصيه، فسبحان من فتح لعباده أبواب الرحمة، ولم يغلقها عن أحد، ما دام حيا متمكنا من التوبة.
وسبحان الحليم، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يعافيهم، ويرزقهم، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم.
ثم قال تعالى: {فَلا تَهِنُوا} أي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف، بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد، طلبا لمرضاة ربكم، ونصحا للإسلام، وإغضابا للشيطان.
ولا تدعوا إلى المسالمة والمتاركة بينكم وبين أعدائكم، طلبا للراحة، {و} الحال أنكم {أنتم الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ} أي: ينقصكم {أَعْمَالكُم}
فهذه الأمور الثلاثة، كل منها مقتض للصبر وعدم الوهن كونهم الأعلين، أي: قد توفرت لهم أسباب النصر، ووعدوا من الله بالوعد الصادق، فإن الإنسان، لا يهن إلا إذا كان أذل من غيره وأضعف عددا، وعددا، وقوة داخلية وخارجية.
الثاني: أن الله معهم، فإنهم مؤمنون، والله مع المؤمنين، بالعون، والنصر، والتأييد، وذلك موجب لقوة قلوبهم، وإقدامهم على عدوهم.
الثالث: أن الله لا ينقصهم من أعمالهم شيئا، بل سيوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، خصوصا عبادة الجهاد، فإن النفقة تضاعف فيه، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
فإذا عرف الإنسان أن الله تعالى لا يضيع عمله وجهاده، أوجب له ذلك النشاط، وبذل الجهد فيما يترتب عليه الأجر والثواب، فكيف إذا اجتمعت هذه الأمور الثلاثة فإن ذلك يوجب النشاط التام، فهذا من ترغيب الله لعباده، وتنشيطهم، وتقوية أنفسهم على ما فيه صلاحهم وفلاحهم.