وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات والنذور والأيمان التي عقدها إذا كان الوفاء بها برا، ويشمل أيضا ما تعاقد عليه هو وغيره كالعهود بين المتعاقدين، وكالوعد الذي يعده العبد لغيره ويؤكده على نفسه، فعليه في جميع ذلك الوفاء وتتميمها مع القدرة، ولهذا نهى الله عن نقضها فقال:{وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} بعقدها على اسم الله تعالى: {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ} أيها المتعاقدون {كَفِيلا} فلا يحل لكم أن لا تحكموا ما جعلتم الله عليكم كفيلا فيكون ذلك ترك تعظيم الله واستهانة به، وقد رضي الآخر منك باليمين والتوكيد الذي جعلت الله فيه كفيلا. فكما ائتمنك وأحسن ظنه فيك فلتف له بما قلته وأكدته.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} يجازي كل عامل بعمله على حسب نيته ومقصده.
{وَلا تَكُونُوا} في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على سفه متعاطيها، وذلك {كَالَّتِي} تغزل غزلا قويا فإذا استحكم وتم ما أريد منه نقضته فجعلته {أَنْكَاثًا} فتعبت على الغزل ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة.
وقوله:{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: لا تنبغي هذه الحالة منكم تعقدون الأيمان المؤكدة وتنتظرون فيها الفرص، فإذا كان العاقد لها ضعيفا غير قادر على الآخر أتمها لا لتعظيم العقد واليمين بل لعجزه، وإن كان قويا يرى مصلحته الدنيوية في نقضها نقضها غير مبال بعهد الله ويمينه.
كل ذلك دورانا مع أهوية النفوس، وتقديما لها على مراد الله منكم، وعلى المروءة الإنسانية، والأخلاق المرضية لأجل أن تكون أمة أكثر عددا وقوة من الأخرى.
وهذا ابتلاء من الله وامتحان يبتليكم الله به حيث قيض من أسباب المحن ما يمتحن به الصادق الوفي من الفاجر الشقي.
{وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فيجازي كلا بما عمل، ويخزي الغادر.