يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} أي: يوم القيامة التي قد أزفت وقربت، وآن الوصول إلى أهوالها وقلاقلها وزلازلها، {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} أي: قد ارتفعت وبقيت أفئدتهم هواء، ووصلت القلوب من الروع والكرب إلى الحناجر، شاخصة أبصارهم. {كَاظِمِينَ} لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وكاظمين على ما في قلوبهم من الروع الشديد والمزعجات الهائلة.
{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي: قريب ولا صاحب، {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك، ولو قدرت شفاعتهم، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم، فلا يقبلها.
{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ} وهو النظر الذي يخفيه العبد من جليسه ومقارنه، وهو نظر المسارقة، {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} مما لم يبينه العبد لغيره، فالله تعالى يعلم ذلك الخفي، فغيره من الأمور الظاهرة من باب أولى وأحرى.
{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} لأن قوله حق، وحكمه الشرعي حق، وحكمه الجزائي حق وهو المحيط علمًا وكتابة وحفظا بجميع الأشياء، وهو المنزه عن الظلم والنقص وسائر العيوب، وهو الذي يقضي قضاءه القدري، الذي إذا شاء شيئًا كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يقضي بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا، ويفصل بينهم بفتح ينصر به أولياءه وأحبابه.
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} وهذا شامل لكل ما عبد من دون الله {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لعجزهم وعدم إرادتهم للخير واستطاعتهم لفعله. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ} لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. {الْبَصِيرُ}(١) بما كان وما يكون، وما نبصر وما لا نبصر، وما يعلم العباد وما لا يعلمون.
قال في أول هاتين الآيتين {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} ثم وصفها بهذه الأوصاف المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم، لاشتمالها على الترغيب والترهيب.
(١) في النسختين (العليم) وهو خطأ فالوارد في الآية: (البصير) .