ثم ذكر تفاوت الأراضي، التي ينزل عليها المطر، فقال:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ} أي: طيب التربة والمادة، إذا نزل عليه مطر {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ} الذي هو مستعد له {بِإِذْنِ رَبِّهِ} أي: بإرادة الله ومشيئته، فليست الأسباب مستقلة بوجود الأشياء، حتى يأذن الله بذلك.
{وَالَّذِي خَبُثَ} من الأراضي {لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} أي: إلا نباتا خاسا لا نفع فيه ولا بركة.
{كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} أي: ننوعها ونبينها ونضرب فيها الأمثال ونسوقها لقوم يشكرون الله بالاعتراف بنعمه، والإقرار بها، وصرفها في مرضاة الله، فهم الذين ينتفعون بما فصل الله في كتابه من الأحكام والمطالب الإلهية، لأنهم يرونها من أكبر النعم الواصلة إليهم من ربهم، فيتلقونها مفتقرين إليها فرحين بها، فيتدبرونها ويتأملونها، فيبين لهم من معانيها بحسب استعدادهم، وهذا مثال للقلوب حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة، كما أن الغيث مادة الحياة، فإن القلوب الطيبة حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه وتنبت بحسب طيب أصلها، وحسن عنصرها.
وأما القلوب الخبيثة التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي لم يجد محلا قابلا بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيئا، وهذا كقوله تعالى:{أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ... } الآيات.